الظاهر وهو يعتقد برأتهم. وَالْمَعْنَى: وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ لِلْمُذْنِبِينَ مِنْ أُمَّتِكَ وَالْمُتَخَاصِمِينَ بِالْبَاطِلِ، وَمَحِلُّكَ مِنَ النَّاسِ أَنْ تَسْمَعَ مِنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ وَتَقْضِيَ بِنَحْوِ مَا تَسْمَعُ، وَتَسْتَغْفِرَ لِلْمُذْنِبِ. وَقِيلَ: هُوَ أَمْرٌ بِالِاسْتِغْفَارِ عَلَى طَرِيقِ التَّسْبِيحِ، كَالرَّجُلِ يَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، عَلَى وَجْهِ التَّسْبِيحِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدَ تَوْبَةً مِنْ ذَنْبٍ. وَقِيلَ: الْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ بَنُو أُبَيْرِقٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ «1»)، (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ «2»).
وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (107)
أَيْ لَا تُحَاجِجْ عَنِ الَّذِينَ يَخُونُونَ أَنْفُسَهُمْ، نَزَلَتْ فِي أُسَيْرِ بْنِ عُرْوَةَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَالْمُجَادَلَةُ الْمُخَاصَمَةُ، مِنَ الْجَدْلِ وَهُوَ الْفَتْلُ، وَمِنْهُ رَجُلٌ مَجْدُولُ «3» الْخَلْقِ، وَمِنْهُ الْأَجْدَلُ لِلصَّقْرِ. وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الْجَدَالَةِ وَهِيَ وَجْهُ الْأَرْضِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَصْمَيْنِ يُرِيدُ أَنْ يُلْقِيَ صَاحِبَهُ عَلَيْهَا، قَالَ الْعَجَّاجُ:
قَدْ أَرْكَبُ الْحَالَةَ بَعْدَ الْحَالَهْ ... وَأَتْرُكُ الْعَاجِزَ بِالْجَدَالَهْ
مُنْعَفِرًا لَيْسَتْ لَهُ مَحَالَهْ
الْجَدَالَةُ الْأَرْضُ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: تَرَكْتُهُ مُجَدَّلًا، أَيْ مَطْرُوحًا عَلَى الْجَدَالَةِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ)
أَيْ لَا يَرْضَى عَنْهُ وَلَا يُنَوِّهُ بِذِكْرِ. (مَنْ كانَ خَوَّاناً)
خائنا. و (خَوَّاناً)
أَبْلَغُ، لِأَنَّهُ مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِعِظَمِ قَدْرِ تِلْكَ الْخِيَانَةِ «4». وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (108) هَا أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (109)