(قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ (?) (. وَ (ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ، أَيْ فِي حَالِ ظُلْمِهِمْ أَنْفُسَهُمْ، وَالْمُرَادُ ظَالِمِينَ أَنْفُسَهُمْ فَحَذَفَ النُّونَ اسْتِخْفَافًا وَأَضَافَ (?)، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ (?)). وَقَوْلُ الْمَلَائِكَةِ: (فِيمَ كُنْتُمْ) سُؤَالُ تَقْرِيعٍ وَتَوْبِيخٍ، أَيْ أَكُنْتُمْ فِي أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ كُنْتُمْ مُشْرِكِينَ! وَقَوْلُ هَؤُلَاءِ: (كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ) يَعْنِي مَكَّةَ، اعْتِذَارٌ غَيْرُ صَحِيحٍ، إِذْ كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ الْحِيَلَ وَيَهْتَدُونَ السَّبِيلَ، ثُمَّ وَقَفَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى دِينِهِمْ بِقَوْلِهِمْ (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً). وَيُفِيدُ هَذَا السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ أَنَّهُمْ مَاتُوا مُسْلِمِينَ ظَالِمِينَ لِأَنْفُسِهِمْ فِي تَرْكِهِمُ الْهِجْرَةَ، وَإِلَّا فلو ماتوا كافرين لم يقل لهم شي مِنْ هَذَا، وَإِنَّمَا أَضْرَبَ عَنْ ذِكْرِهِمْ فِي الصَّحَابَةِ لِشِدَّةِ مَا وَاقَعُوهُ، وَلِعَدَمِ تَعَيُّنِ أَحَدِهِمْ بِالْإِيمَانِ، وَاحْتِمَالِ رِدَّتِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ اسْتَثْنَى تَعَالَى مِنْهُمْ مِنَ الضَّمِيرِ الَّذِي هُوَ الْهَاءُ وَالْمِيمُ فِي (مَأْواهُمْ) مَنْ كَانَ مُسْتَضْعَفًا حَقِيقَةً مِنْ زَمْنَى الرِّجَالِ وَضَعَفَةِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ، كَعَيَّاشِ بن أبي ربيعة وسلمة ابن هِشَامٍ وَغَيْرِهِمُ الَّذِينَ دَعَا لَهُمُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِمَّنْ عَنَى اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْوِلْدَانِ إِذْ ذَاكَ، وَأُمُّهُ هِيَ أُمُّ الْفَضْلِ بِنْتُ الْحَارِثِ وَاسْمُهَا لُبَابَةُ، وَهِيَ أُخْتُ مَيْمُونَةَ، وَأُخْتُهَا الْأُخْرَى لُبَابَةُ الصُّغْرَى، وَهُنَّ تِسْعُ أَخَوَاتٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِنَّ: (الْأَخَوَاتُ (?) مُؤْمِنَاتٌ) وَمِنْهُنَّ سَلْمَى وَالْعَصْمَاءُ وَحُفَيْدَةُ وَيُقَالُ فِي حُفَيْدَةَ: أُمُّ حُفَيْدٍ، وَاسْمُهَا هَزِيلَةُ. هُنَّ سِتُّ شَقَائِقَ وَثَلَاثٌ لِأُمٍّ، وَهُنَّ سَلْمَى، وَسَلَّامَةُ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ الْخَثْعَمِيَّةُ امْرَأَةُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، ثُمَّ امْرَأَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، ثُمَّ امْرَأَةُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (فِيمَ كُنْتُمْ) سُؤَالُ تَوْبِيخٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَالْأَصْلُ (فِيمَا) ثُمَّ حُذِفَتِ الْأَلِفُ فَرْقًا بَيْنَ الِاسْتِفْهَامِ وَالْخَبَرِ، والوقف عليها (لِئَلَّا تُحْذَفَ الْأَلِفُ وَالْحَرَكَةُ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً الْمَدِينَةُ، أَيْ أَلَمْ تَكُونُوا مُتَمَكِّنِينَ قَادِرِينَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالتَّبَاعُدِ مِمَّنْ كَانَ يَسْتَضْعِفُكُمْ! وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى هجران الأرض التي يعمل فيها بالمعاصي.