تفسير القرطبي (صفحة 1987)

الْحَالِ، وَيَجُوزُ رَفْعُهُ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ. وَحَكَى (أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَاتٍ صُدُورُهُمْ)، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ: (حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) هُوَ دُعَاءٌ عَلَيْهِمْ، كَمَا تَقُولُ: لَعَنَ اللَّهُ الْكَافِرَ، وَقَالَهُ الْمُبَرِّدُ «1». وَضَعَّفَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ وَقَالَ: هَذَا يَقْتَضِي أَلَّا يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ، وَذَلِكَ فَاسِدٌ، لِأَنَّهُمْ كُفَّارٌ وَقَوْمَهُمْ كُفَّارٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ، فَيَكُونُ عَدَمُ الْقِتَالِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ تَعْجِيزًا لَهُمْ، وَفِي حَقِّ قَوْمِهِمْ تَحْقِيرًا لَهُمْ. وَقِيلَ: (أَوْ) بِمَعْنَى الْوَاوِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَجَاءُوكُمْ ضَيِّقَةً صُدُورُهُمْ عَنْ قِتَالِكُمْ وَالْقِتَالُ مَعَكُمْ فَكَرِهُوا قِتَالَ الْفَرِيقَيْنِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا مُعَاهَدِينَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْعَهْدِ، أَوْ قَالُوا نُسَلِّمُ وَلَا نُقَاتِلُ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقْبَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى وَيَشْرَحَهَا لِلْإِسْلَامِ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (أَوْ يُقاتِلُوا) فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، أَيْ عَنْ «2» أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ. الْخَامِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ) تَسْلِيطُ اللَّهِ تَعَالَى الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ هُوَ بِأَنْ يُقْدِرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَيُقَوِّيهِمْ إِمَّا عُقُوبَةٌ وَنِقْمَةٌ عِنْدَ إِذَاعَةِ الْمُنْكَرِ وَظُهُورِ الْمَعَاصِي، وَإِمَّا ابْتِلَاءً وَاخْتِبَارًا كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ «3»)، وَإِمَّا تَمْحِيصًا لِلذُّنُوبِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا «4»). وَلِلَّهِ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ وَيُسَلِّطُ مَنْ يَشَاءُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ إِذَا شَاءَ. وَوَجْهُ النَّظْمِ وَالِاتِّصَالِ بِمَا قَبْلُ أَيِ اقْتُلُوا الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ اخْتَلَفْتُمْ فِيهِمْ إِلَّا «5» أَنْ يُهَاجِرُوا، وَإِلَّا أَنْ يَتَّصِلُوا بِمَنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَيَدْخُلُونَ فِيمَا دَخَلُوا فِيهِ فَلَهُمْ حُكْمُهُمْ، وَإِلَّا الَّذِينَ جَاءُوكُمْ قَدْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ عَنْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ فدخلوا فيكم فلا تقتلوهم.

[سورة النساء (?): آية 91]

سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً (91)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015