والأعمش وعبد الله بن أبي إسحاق:" أَأَنْذَرْتَهُمْ" بِتَحْقِيقِ الْأُولَى وَتَسْهِيلِ الثَّانِيَةِ، وَاخْتَارَهَا الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ، وَهِيَ لُغَةُ قُرَيْشٍ وَسَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، وَعَلَيْهَا قول الشاعر «1»:
أَيَا ظَبْيَةَ الْوَعْسَاءِ بَيْنَ جُلَاجِلٍ ... وَبَيْنَ النَّقَا آنْتَ أَمْ أُمُّ سَالٍمِ
هِجَاءُ" آنْتَ" أَلِفٌ وَاحِدَةٌ. وَقَالَ آخَرُ:
تَطَالَلْتُ فَاسْتَشْرَفْتُهُ فَعَرَفْتُهُ ... فَقُلْتُ لَهُ آنْتَ زَيْدُ الْأَرَانِبِ
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مُحَيْصِنٍ أَنَّهُ قَرَأَ:" أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ" بِهَمْزَةٍ لَا أَلِفَ بَعْدَهَا، فَحَذَفَ لِالْتِقَاءِ الْهَمْزَتَيْنِ، أَوْ لِأَنَّ أَمْ تَدُلُّ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
تَرُوحُ مِنَ الْحَيِّ أَمْ تبتكر ... وَمَاذَا يَضِيرُكَ لَوْ تَنْتَظِرْ
أَرَادَ: أَتَرُوحُ، فَاكْتَفَى بأم مِنَ الْأَلِفِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ أَبِي إِسْحَاقَ أنه قرأ:" أأنذرتهم" فَحَقَّقَ الْهَمْزَتَيْنِ وَأَدْخَلَ بَيْنَهُمَا أَلِفًا لِئَلَّا يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: وَيَجُوزُ أَنْ تُدْخِلَ بَيْنَهُمَا أَلِفًا وَتُخَفِّفَ الثَّانِيَةَ، وَأَبُو عَمْرٍو وَنَافِعٌ يَفْعَلَانِ ذَلِكَ كَثِيرًا. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَعَاصِمٌ وَالْكِسَائِيُّ بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ:" أَأَنْذَرْتَهُمْ" وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدٍ، وَذَلِكَ بَعِيدٌ عِنْدَ الْخَلِيلِ. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: يُشْبِهُ فِي الثِّقَلِ ضَنِنُوا. قَالَ الْأَخْفَشُ: وَيَجُوزُ تَخْفِيفُ الاولى من الهمزتين وذلك ردئ، لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا يُخَفِّفُونَ بَعْدَ الِاسْتِثْقَالِ، وَبَعْدَ حُصُولِ الْوَاحِدَةِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: وَيَجُوزُ تَخْفِيفُ الْهَمْزَتَيْنِ جَمِيعًا. فَهَذِهِ سَبْعَةُ أَوْجُهٍ مِنَ الْقِرَاءَاتِ، وَوَجْهٌ ثَامِنٌ يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ، لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلسَّوَادِ «2». قَالَ الْأَخْفَشُ سَعِيدٌ: تُبْدِلُ مِنَ الْهَمْزَةِ هَاءً تَقُولُ: هَأَنْذَرْتَهُمْ، كَمَا يُقَالُ هَيَّاكَ وَإِيَّاكَ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ فِيِ قَوْلِهِ تَعَالَى:" هَا أَنْتُمْ" [آل عمران: 66] إنما هو أاأنتم.
خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (7)
فِيهَا عَشْرُ مَسَائِلَ: الْأُولَى قَوْلُهُ تَعَالَى: (خَتَمَ اللَّهُ) بَيَّنَ سُبْحَانَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْمَانِعَ لَهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ بِقَوْلِهِ:" خَتَمَ اللَّهُ". وَالْخَتْمُ مَصْدَرٌ خَتَمْتُ الشَّيْءَ خَتْمًا فَهُوَ مَخْتُومٌ وَمُخَتَّمٌ، شُدِّدَ لِلْمُبَالَغَةِ، ومعناه