وَحَقًّا، نَظِيرُهَا (وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى «1») فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُكَذِّبًا لَهُمْ: (أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ) قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُمْ مُنَافِقُونَ. وَالْفَائِدَةُ لَنَا: اعْلَمُوا أَنَّهُمْ مُنَافِقُونَ. (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) قِيلَ: عقابهم. وقيل: عن قبول اعتذارهم (عِظْهُمْ) أَيْ خَوِّفْهُمْ. قِيلَ فِي الْمَلَا. (وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً) أَيِ ازْجُرْهُمْ بِأَبْلَغِ الزَّجْرِ فِي السِّرِّ وَالْخَلَاءِ. الْحَسَنُ: قُلْ لَهُمْ إِنْ أَظْهَرْتُمْ مَا فِي قُلُوبِكُمْ قَتَلْتُكُمْ. وَقَدْ بَلُغَ الْقَوْلُ بَلَاغَةً، وَرَجُلٌ بَلِيغٌ يُبْلِغُ بِلِسَانِهِ كُنْهَ مَا فِي قَلْبِهِ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَحْمَقُ بَلْغٌ وَبِلْغٌ، أَيْ نِهَايَةٌ فِي الْحَمَاقَةِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ يَبْلُغُ مَا يُرِيدُ وَإِنْ كَانَ أَحْمَقَ. وَيُقَالُ: إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: (فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) نَزَلَ فِي شَأْنِ الَّذِينَ بَنَوْا مَسْجِدَ الضِّرَارِ «2»، فَلَمَّا أَظْهَرَ اللَّهُ نِفَاقَهُمْ، وَأَمَرَهُمْ بِهَدْمِ الْمَسْجِدِ حَلَفُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِفَاعًا عَنْ أَنْفُسِهِمْ: مَا أَرَدْنَا بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ إِلَّا طَاعَةَ اللَّهِ وموافقة الكتاب.
وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً (64)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ) (مِنْ) زَائِدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ. (إِلَّا لِيُطاعَ) فِيمَا أمر به ونهى عنه. (بِإِذْنِ اللَّهِ) يعلم اللَّهِ. وَقِيلَ: بِتَوْفِيقِ اللَّهِ. (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ) رَوَى أَبُو صَادِقٍ «3» عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَدِمَ علينا أعرابي بعد ما دَفَنَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَرَمَى بِنَفْسِهِ عَلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَثَا عَلَى رَأْسِهِ مِنْ تُرَابِهِ، فَقَالَ: قُلْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَمِعْنَا قَوْلَكَ، وَوَعَيْتَ عَنِ اللَّهِ فَوَعَيْنَا عَنْكَ، وَكَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) الْآيَةَ، وَقَدْ ظَلَمْتُ نفسي وجئتك