تفسير القرطبي (صفحة 193)

وَالْفَلْحُ أَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ الشَّقُّ وَالْقَطْعُ، قَالَ الشَّاعِرُ:

إِنَّ الْحَدِيدَ بِالْحَدِيدِ يُفْلَحُ

أَيْ يُشَقُّ، وَمِنْهُ فِلَاحَةُ الْأَرَضِينَ إِنَّمَا هُوَ شَقُّهَا لِلْحَرْثِ، قال أَبُو عُبَيْدٍ. وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْأَكَّارُ (?) فَلَّاحًا. وَيُقَالُ لِلَّذِي شُقَّتْ شَفَتُهُ السُّفْلَى أَفْلَحُ، وَهُوَ بَيِّنُ الْفَلْحَةِ، فَكَأَنَّ الْمُفْلِحَ قَدْ قَطَعَ الْمَصَاعِبَ حَتَّى نَالَ مَطْلُوبَهُ. وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْفَوْزِ وَالْبَقَاءِ، وَهُوَ أَصْلُهُ أَيْضًا فِي اللُّغَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّجُلِ لِاِمْرَأَتِهِ: اسْتَفْلِحِي بِأَمْرِكِ، مَعْنَاهُ فُوزِي بِأَمْرِكِ، وَقَالَ الشَّاعِرُ:

لَوْ كَانَ حَيٌّ مُدْرِكُ الْفَلَاحِ ... أَدْرَكَهُ مُلَاعِبُ الرِّمَاحِ

وَقَالَ الْأَضْبَطُ بْنُ قُرَيْعٍ السَّعْدِيُّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْجَهْلَاءِ:

لِكُلِّ هَمٍّ مِنَ الْهُمُومِ سِعَهْ ... وَالْمُسْيُّ وَالصُّبْحُ لَا فَلَاحَ مَعَهْ

يَقُولُ: لَيْسَ مَعَ كَرِّ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بَقَاءٌ. وَقَالَ آخَرُ:

نَحِلُّ بِلَادًا كُلَّهَا حُلَّ قَبْلَنَا ... وَنَرْجُو الْفَلَاحَ بَعْدَ عَادٍ وَحِمْيَرَ

أَيِ الْبَقَاءَ: وَقَالَ عُبَيْدٌ:

أَفْلِحْ بِمَا شِئْتَ فَقَدْ يُدْرَكُ بِالضَّ ... عْفِ وَقَدْ يُخَدَّعُ الْأَرِيبُ

أَيِ ابْقَ بِمَا شِئْتَ مِنْ كَيْسٍ وَحُمْقٍ فَقَدْ يُرْزَقُ الْأَحْمَقُ وَيُحْرَمُ الْعَاقِلُ. فَمَعْنَى" وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ": أَيِ الْفَائِزُونَ بِالْجَنَّةِ وَالْبَاقُونَ فِيهَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ: الْمُفْلِحُونَ هُمُ الَّذِينَ أَدْرَكُوا مَا طلبوا ونجوا من شر مأمنه هَرَبُوا، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. وَقَدِ اسْتُعْمِلَ الْفَلَاحُ فِي السَّحُورِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: حَتَّى كَادَ يَفُوتُنَا الْفَلَاحُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُلْتُ: وَمَا الْفَلَاحُ؟ قَالَ: السَّحُورُ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ. فَكَأَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ السَّحُورَ بِهِ بَقَاءُ الصَّوْمِ فَلِهَذَا سَمَّاهُ فَلَاحًا. وَالْفَلَّاحُ (بِتَشْدِيدِ اللَّامِ): الْمُكَارِي فِي قَوْلِ الْقَائِلِ: (?)

لَهَا رِطْلٌ تَكِيلُ الزَّيْتَ فِيهِ ... وَفَلَّاحٌ يَسُوقُ لَهَا حِمَارًا

ثُمَّ الْفَلَاحُ فِي الْعُرْفِ: الظَّفَرُ بِالْمَطْلُوبِ، وَالنَّجَاةُ من المرهوب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015