مَعْبُودٍ مِنْ دُونِ اللَّهِ، أَوْ مُطَاعٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَهَذَا حَسَنٌ. وَأَصْلُ الْجِبْتِ الْجِبْسُ وَهُوَ الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ، فَأُبْدِلَتِ التَّاءُ مِنَ السِّينِ، قَالَهُ قُطْرُبُ. وَقِيلَ: الْجِبْتُ إِبْلِيسُ وَالطَّاغُوتُ أَوْلِيَاؤُهُ. وَقَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَسَنٌ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ (?)) وَقَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها (?)). وَرَوَى قَطَنُ (?) بْنُ الْمُخَارِقِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الطَّرْقُ وَالطِّيَرَةُ وَالْعِيَافَةُ مِنَ الْجِبْتِ). الطَّرْقُ الزَّجْرُ، وَالْعِيَافَةُ الْخَطُّ (?)، خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ. وَقِيلَ: الْجِبْتُ كُلُّ مَا حرم الله، والطاغوت كُلُّ مَا يُطْغِي الْإِنْسَانَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) أَيْ يَقُولُ الْيَهُودُ لِكُفَّارِ قُرَيْشٍ أَنْتُمْ أَهْدَى سَبِيلًا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ. وَذَلِكَ أَنَّ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ خَرَجَ فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا مِنْ الْيَهُودِ إِلَى مَكَّةَ بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ لِيُحَالِفُوا قُرَيْشًا عَلَى قِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَ كَعْبٌ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ فَأَحْسَنَ مَثْوَاهُ، وَنَزَلَتِ الْيَهُودُ فِي دُورِ قُرَيْشٍ فَتَعَاقَدُوا وَتَعَاهَدُوا لَيَجْتَمِعُنَّ عَلَى قِتَالِ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: إِنَّكَ امْرُؤٌ تَقْرَأُ الْكِتَابَ وَتَعْلَمُ، وَنَحْنُ أُمِّيُّونَ لَا نَعْلَمُ، فَأَيُّنَا أَهْدَى سَبِيلًا وَأَقْرَبُ إِلَى الْحَقِّ نَحْنُ أَمْ مُحَمَّدٌ؟ فَقَالَ كَعْبٌ: أَنْتُمْ وَاللَّهِ أَهْدَى سَبِيلًا مِمَّا عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ) أَيْ أَلَهُمْ؟ وَالْمِيمُ صِلَةٌ. (نَصِيبٌ) حَظٌّ (مِنَ الْمُلْكِ) وَهَذَا عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ، يَعْنِي لَيْسَ لَهُمْ من الملك شي، ولو كان لهم منه شي لَمْ يُعْطُوا أَحَدًا مِنْهُ شَيْئًا لِبُخْلِهِمْ وَحَسَدِهِمْ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى بَلْ أَلَهُمْ نَصِيبٌ، فَتَكُونُ أَمْ مُنْقَطِعَةٌ وَمَعْنَاهَا الْإِضْرَابُ عَنِ الْأَوَّلِ وَالِاسْتِئْنَافُ لِلثَّانِي. وَقِيلَ: هِيَ عَاطِفَةٌ عَلَى مَحْذُوفٍ، لِأَنَّهُمْ أَنِفُوا مِنَ اتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالتَّقْدِيرُ: أَهُمْ أَوْلَى بِالنُّبُوَّةِ مِمَّنْ أَرْسَلْتُهُ أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ؟. (فَإِذاً لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً) أَيْ يَمْنَعُونَ الْحُقُوقَ. خَبَّرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُمْ بِمَا يَعْلَمُهُ مِنْهُمْ. وَالنَّقِيرُ: النُّكْتَةُ فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وقتادة وغيرهما. وعن ابن عباس أيضا: