تفسير القرطبي (صفحة 1777)

فَقَامَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ. إِلَى آخِرِهِ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي الْعَجْفَاءِ، وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ: أُوقِيَّةً. وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُثْقِلُ صَدَقَةَ امْرَأَتِهِ حَتَّى تَكُونَ لَهَا عَدَاوَةٌ فِي نَفْسِهِ، وَيَقُولُ: قَدْ كَلِفْتُ إِلَيْكِ عَلَقَ الْقِرْبَةِ- أَوْ عَرَقَ الْقِرْبَةِ، وَكُنْتُ رَجُلًا عَرَبِيًّا مُوَلَّدًا (?) مَا أَدْرِي مَا عَلَقُ الْقِرْبَةِ أَوْ عَرَقُ الْقِرْبَةِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَعَلَقُ الْقِرْبَةِ لُغَةٌ فِي عَرَقِ الْقِرْبَةِ. قَالَ غَيْرُهُ: وَيُقَالُ عَلَقُ الْقِرْبَةِ عِصَامُهَا الَّذِي تُعَلَّقُ بِهِ. يَقُولُ كَلِفْتُ إِلَيْكِ حَتَّى عِصَامِ الْقِرْبَةِ. وَعَرَقُ الْقِرْبَةِ مَاؤُهَا، يَقُولُ: جَشِمْتُ إِلَيْكِ حَتَّى سَافَرْتُ وَاحْتَجْتُ إِلَى عَرَقِ الْقِرْبَةِ، وَهُوَ مَاؤُهَا فِي السَّفَرِ. وَيُقَالُ: بَلْ عَرَقُ الْقِرْبَةِ أَنْ يَقُولَ: نَصِبْتُ لَكِ وَتَكَلَّفْتُ حَتَّى عَرِقْتُ عَرَقَ الْقِرْبَةِ، وَهُوَ سَيَلَانُهَا. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ كَانُوا يَتَزَوَّدُونَ الْمَاءَ فَيُعَلِّقُونَهُ عَلَى الْإِبِلِ يَتَنَاوَبُونَهُ فَيَشُقُّ عَلَى الظَّهْرِ، فَفُسِّرَ بِهِ اللَّفْظَانِ: الْعَرَقُ وَالْعَلَقُ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: عَرَقُ الْقِرْبَةِ كَلِمَةٌ مَعْنَاهَا الشِّدَّةُ. قَالَ: وَلَا أَدْرِي مَا أَصْلُهَا. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: وَسَمِعْتُ ابْنَ أَبِي طَرَفَةَ وَكَانَ مِنْ أَفْصَحِ مَنْ رَأَيْتُ يَقُولُ: سَمِعْتُ شِيخَانَنَا يَقُولُونَ: لقيت من فولان عَرَقَ الْقِرْبَةِ، يَعْنُونَ الشِّدَّةَ. وَأَنْشَدَنِي لِابْنِ الْأَحْمَرِ:

لَيْسَتْ بِمَشْتَمَةٍ تُعَدُّ وَعَفْوُهَا ... عَرَقُ السِّقَاءِ عَلَى الْقَعُودِ اللَّاغِبِ

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَرَادَ أَنَّهُ يسمع الكلمة تغيظه وليست بشتم فيؤاخذ صَاحِبُهَا بِهَا، وَقَدْ أَبْلَغْتُ إِلَيْهِ كَعَرَقِ الْقِرْبَةِ، فقال: كعرق السقاء لَمَّا لَمْ يُمْكِنْهُ الشِّعْرُ، ثُمَّ قَالَ: عَلَى الْقَعُودِ اللَّاغِبِ، وَكَانَ مَعْنَاهُ أَنَّ تُعَلَّقَ الْقِرْبَةُ عَلَى الْقَعُودِ فِي أَسْفَارِهِمْ. وَهَذَا الْمَعْنَى شَبِيهٌ بِمَا كَانَ الْفَرَّاءُ يَحْكِيهِ، زَعَمَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْمَفَاوِزِ فِي أَسْفَارِهِمْ يَتَزَوَّدُونَ الْمَاءَ فَيُعَلِّقُونَهُ عَلَى الْإِبِلِ يَتَنَاوَبُونَهُ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ تَعَبٌ وَمَشَقَّةٌ عَلَى الظَّهْرِ. وَكَانَ الْفَرَّاءُ يَجْعَلُ هَذَا التَّفْسِيرَ فِي عَلَقِ الْقِرْبَةِ بِاللَّامِ. وَقَالَ قَوْمٌ: لَا تُعْطِي الْآيَةُ جَوَازَ الْمُغَالَاةِ بِالْمُهُورِ، لِأَنَّ التَّمْثِيلَ بِالْقِنْطَارِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى جِهَةِ الْمُبَالَغَةِ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَآتَيْتُمْ هَذَا الْقَدْرَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا يُؤْتِيهِ أَحَدٌ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَلَوْ كَمَفْحَصِ (?) قَطَاةٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الجنة). ومعلوم أنه لا يكون مسجد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015