تفسير القرطبي (صفحة 1756)

الموفية ثلاثين- قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ) هَذَا التَّشْرِيكُ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَإِنْ كَثُرُوا. وَإِذَا كَانُوا يَأْخُذُونَ بِالْأُمِّ فَلَا يُفَضَّلُ الذَّكَرُ عَلَى الْأُنْثَى. وَهَذَا إِجْمَاعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَلَيْسَ فِي الْفَرَائِضِ مَوْضِعٌ يَكُونُ فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوَاءً إِلَّا فِي مِيرَاثِ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ. فَإِذَا مَاتَتِ امْرَأَةٌ وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا وَأُمَّهَا وَأَخَاهَا لِأُمِّهَا فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْأَخِ مِنَ الْأُمِّ السُّدُسُ. فَإِنْ تَرَكَتْ أَخَوَيْنِ وَأُخْتَيْنِ- وَالْمَسْأَلَةَ بِحَالِهَا- فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْأَخَوَيْنِ وَالْأُخْتَيْنِ الثُّلُثُ، وَقَدْ تَمَّتِ الْفَرِيضَةُ. وَعَلَى هَذَا عَامَّةُ الصَّحَابَةِ، لِأَنَّهُمْ حَجَبُوا الْأُمَّ بِالْأَخِ وَالْأُخْتِ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ. وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَرَ الْعَوْلَ وَلَوْ جَعَلَ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ لَعَالَتِ الْمَسْأَلَةُ، وَهُوَ لَا يَرَى ذَلِكَ. وَالْعَوْلُ (?) مَذْكُورٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُهُ. فَإِنْ تَرَكَتْ زَوْجَهَا وَإِخْوَةً لِأُمٍّ وَأَخًا لِأَبٍ وَأُمٍّ، فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِإِخْوَتِهَا لِأُمِّهَا الثُّلُثُ، وَمَا بَقِيَ فَلِأَخِيهَا لِأُمِّهَا وَأَبِيهَا. وَهَكَذَا مَنْ لَهُ فَرْضٌ مُسَمًّى أُعْطِيَهُ، وَالْبَاقِي لِلْعَصَبَةِ إِنْ فَضَلَ. فَإِنْ تَرَكَتْ سِتَّةَ إِخْوَةٍ مُفْتَرِقِينَ فَهَذِهِ الْحِمَارِيَّةُ (?)، وَتُسَمَّى أَيْضًا الْمُشْتَرَكَةُ. قَالَ قَوْمٌ: لِلْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ، وَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَسَقَطَ الْأَخُ وَالْأُخْتُ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ، وَالْأَخِ وَالْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ. رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى وَالشَّعْبِيِّ وَشَرِيكٍ وَيَحْيَى بْنِ آدَمَ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، لِأَنَّ الزَّوْجَ وَالْأُمَّ وَالْأَخَوَيْنِ لِلْأُمِّ أَصْحَابُ فَرَائِضَ مُسَمَّاةٍ ولم يبق للعصبة شي. وَقَالَ قَوْمٌ: الْأُمُّ وَاحِدَةٌ، وَهَبْ أَنَّ أَبَاهُمْ كَانَ حِمَارًا! وَأَشْرَكُوا بَيْنَهُمْ فِي الثُّلُثِ، وَلِهَذَا سُمِّيَتِ الْمُشْتَرَكَةُ وَالْحِمَارِيَّةُ. رُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَمَسْرُوقٍ وَشُرَيْحٍ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ. وَلَا تَسْتَقِيمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَنْ لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلًا. فَهَذِهِ جُمْلَةٌ مِنْ عِلْمِ الْفَرَائِضِ تَضَمَّنَتْهَا الْآيَةُ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلْهِدَايَةِ. وَكَانَتِ الْوِرَاثَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِالرُّجُولِيَّةِ وَالْقُوَّةِ، وَكَانُوا يُوَرِّثُونَ الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ، فَأَبْطَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ) كما تقدم. وكانت الوراثة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015