تفسير القرطبي (صفحة 1727)

الثَّانِيةُ- فَإِذَا كَانَ الْوَارِثُ صَغِيرًا لَا يَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُعْطَى وَلِيُّ الْوَارِثِ الصَّغِيرِ مِنْ مَالِ مَحْجُورِهِ بِقَدْرِ مَا يَرَى. وَقِيلَ: لَا يُعْطَى بَلْ يَقُولُ لِمَنْ حَضَرَ القسمة «1»: ليس لي شي مِنْ هَذَا الْمَالِ إِنَّمَا هُوَ لِلْيَتِيمِ، فَإِذَا بَلَغَ عَرَّفْتُهُ حَقَّكُمْ. فَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمَعْرُوفُ. وَهَذَا إِذَا لَمْ يُوصِ الْمَيِّتُ لَهُ بِشَيْءٍ، فَإِنْ أَوْصَى يُصْرَفُ لَهُ مَا أَوْصَى. وَرَأَى عبيدة ومحمد ابن سِيرِينَ أَنَّ الرِّزْقَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ يَصْنَعَ لَهُمْ طَعَامًا يَأْكُلُونَهُ، وَفَعَلَا ذَلِكَ، ذَبَحَا شَاةً مِنَ التَّرِكَةِ، وَقَالَ عُبَيْدَةُ: لَوْلَا هَذِهِ الْآيَةُ لَكَانَ هَذَا مِنْ مَالِي. وَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ قَالَ: ثَلَاثٌ مُحْكَمَاتٌ تَرَكَهُنَّ النَّاسُ: هَذِهِ الْآيَةُ، وَآيَةُ الِاسْتِئْذَانِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ «2»، وَقَوْلُهُ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى «3». الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْهُ) الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى مَعْنَى الْقِسْمَةِ، إِذْ هِيَ بِمَعْنَى الْمَالِ وَالْمِيرَاثِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ «4») أَيِ السِّقَايَةَ، لِأَنَّ الصُّوَاعَ مُذَكَّرٌ وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فإنه ليس بينه «5» وبين والله حِجَابٌ) فَأَعَادَ مُذَكَّرًا عَلَى مَعْنَى الدُّعَاءِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ لِسُوَيْدِ بْنِ طَارِقٍ الْجُعْفِيِّ حِينَ سَأَلَهُ عَنِ الْخَمْرِ (إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ) فَأَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَى مَعْنَى الشَّرَابِ. وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ. يُقَالُ: قَاسَمَهُ الْمَالَ وَتَقَاسَمَاهُ وَاقْتَسَمَاهُ، وَالِاسْمُ الْقِسْمَةُ مُؤَنَّثَةٌ، وَالْقَسْمُ مَصْدَرُ قَسَمْتُ الشَّيْءَ فَانْقَسَمَ، وَالْمَوْضِعُ مَقْسِمٌ مِثْلَ مَجْلِسٍ، وَتَقَسَّمَهُمُ الدَّهْرُ فَتَقَسَّمُوا، أَيْ فَرَّقَهُمْ فَتَفَرَّقُوا. وَالتَّقْسِيمُ التَّفْرِيقُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً) قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يُقَالُ لَهُمْ خُذُوا بُورِكَ لَكُمْ. وَقِيلَ: قُولُوا مَعَ الرِّزْقِ وَدِدْتُ أَنْ لَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا. وَقِيلَ: لَا حَاجَةَ مَعَ الرِّزْقِ إِلَى عُذْرٍ، نَعَمْ إِنْ لم يصرف إليهم شي فَلَا أَقَلَّ مِنْ قَوْلٍ جَمِيلٍ وَنَوْعِ اعْتِذَارٍ.

[سورة النساء (?): آية 9]

وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (9)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015