تفسير القرطبي (صفحة 1688)

وَالْحُوبُ الْمَصْدَرُ، وَكَذَلِكَ الْحِيَابَةُ. وَالْحُوبُ الِاسْمُ. وَقَرَأَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ (حَابًا) عَلَى الْمَصْدَرِ مِثْلَ الْقَالِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمًا مِثْلَ الزَّادِ. وَالْحَوْأَبُ (بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْوَاوِ): الْمَكَانُ الْوَاسِعُ. وَالْحَوْأَبُ مَاءٌ أَيْضًا. وَيُقَالُ: أَلْحَقَ اللَّهُ بِهِ الْحَوْبَةَ أَيِ الْمَسْكَنَةَ وَالْحَاجَةَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: بَاتَ بِحَيْبَةِ سُوءٍ. وَأَصْلُ الْيَاءِ الْوَاوُ. وَتَحَوَّبَ فُلَانٌ أَيْ تَعَبَّدَ وَأَلْقَى الْحُوبَ عَنْ نَفْسِهِ. وَالتَّحَوُّبُ أَيْضًا التَّحَزُّنُ. وَهُوَ أَيْضًا الصِّيَاحُ الشَّدِيدُ، كَالزَّجْرِ، وَفُلَانٌ يَتَحَوَّبُ مِنْ كَذَا أَيْ يَتَوَجَّعُ وَقَالَ طُفَيْلٌ:

فَذُوقُوا كَمَا ذُقْنَا غَدَاةَ مُحَجَّرٍ «1» ... مِنَ الْغَيْظِ في أكبادنا «2» والتحوب

[سورة النساء (4): آية 3]

وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا (3)

فِيهِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى:" (وَإِنْ خِفْتُمْ) " شَرْطٌ، وَجَوَابُهُ (فَانْكِحُوا). أَيْ إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فِي مُهُورِهِنَّ وَفِي النَّفَقَةِ عَلَيْهِنَّ (فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ) أَيْ غَيْرَهُنَّ. وروى الا يمه وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) قَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي هِيَ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حجر وليها تشاركه في ما له فَيُعْجِبُهُ مَالُهَا وَجَمَالُهَا فَيُرِيدُ وَلِيُّهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ فِي صَدَاقِهَا فَيُعْطِيهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ، فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ وَيَبْلُغُوا بِهِنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ مِنَ الصَّدَاقِ وَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ لَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ سِوَاهُنَّ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَقَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادُ: وَلِهَذَا قُلْنَا إِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْوَصِيُّ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ، وَيَبِيعَ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ مُحَابَاةٍ. وَلِلْمُوَكِّلِ النَّظَرُ فِيمَا اشْتَرَى وَكِيلُهُ لِنَفْسِهِ أَوْ بَاعَ مِنْهَا. وَلِلسُّلْطَانِ النَّظَرُ فِيمَا يَفْعَلُهُ الْوَصِيُّ مِنْ ذَلِكَ. فَأَمَّا الْأَبُ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ نَظَرٌ مَا لَمْ تَظْهَرْ عَلَيْهِ الْمُحَابَاةُ فَيَعْتَرِضُ عليه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015