تفسير القرطبي (صفحة 1674)

قُلْتُ: قَوْلُهُ" وَالرِّبَاطُ اللُّغَوِيُّ هُوَ الْأَوَّلُ" لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ، فَإِنَّ الْخَلِيلَ بْنَ أَحْمَدَ أَحَدُ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَثِقَاتُهَا قَدْ قَالَ: الرِّبَاطُ مُلَازَمَةُ الثُّغُورِ، وَمُوَاظَبَةُ الصَّلَاةِ أَيْضًا، فَقَدْ حَصَلَ أَنَّ انْتِظَارَ الصَّلَاةِ رِبَاطٌ لُغَوِيٌّ حَقِيقَةً، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَكْثَرُ مِنْ هَذَا مَا قَالَهُ الشَّيْبَانِيُّ أَنَّهُ يُقَالُ: مَاءٌ مُتَرَابِطٌ أَيْ دَائِمٌ لَا يُنْزَحُ (?)، حَكَاهُ ابْنُ فَارِسٍ، وَهُوَ يَقْتَضِي تَعْدِيَةَ الرِّبَاطِ لُغَةً إِلَى غَيْرِ مَا ذَكَرْنَاهُ. فَإِنَّ الْمُرَابَطَةَ عِنْدَ الْعَرَبِ: الْعَقْدُ عَلَى الشَّيْءِ حَتَّى لَا يَنْحَلَّ، فَيَعُودَ إِلَى مَا كَانَ صَبَرَ عَنْهُ، فَيَحْبِسُ الْقَلْبَ عَلَى النِّيَّةِ الْحَسَنَةِ وَالْجِسْمَ عَلَى فِعْلِ الطَّاعَةِ. وَمِنْ أَعْظَمِهَا وَأَهَمِّهَا ارْتِبَاطُ الْخَيْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّنْزِيلِ فِي قَوْلِهِ:" وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ" [الأنفال: 60] عَلَى مَا يَأْتِي. وَارْتِبَاطُ النَّفْسِ عَلَى الصَّلَوَاتِ كَمَا قَالَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَجَابِرٌ وَعَلِيٌّ وَلَا عِطْرَ بَعْدَ عَرُوسٍ. الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ- الْمُرَابِطُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ هُوَ الَّذِي يَشْخَصُ إِلَى ثَغْرٍ مِنَ الثُّغُورِ لِيُرَابِطَ فِيهِ مُدَّةً مَا، قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ [وَرَوَاهُ] (?). وَأَمَّا سُكَّانُ الثُّغُورِ دَائِمًا بِأَهْلِيهِمُ الَّذِينَ يَعْمُرُونَ وَيَكْتَسِبُونَ هُنَالِكَ، فهم وإن كانوا حماة فليسوا بمرابطين. قال ابن عطية. وقال ابن خويز منداد: وَلِلرِّبَاطِ حَالَتَانِ: حَالَةٌ يَكُونُ الثَّغْرُ مَأْمُونًا مَنِيعًا يَجُوزُ سُكْنَاهُ بِالْأَهْلِ وَالْوَلَدِ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ جَازَ أَنْ يُرَابِطَ فِيهِ بِنَفْسِهِ إِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ، وَلَا يَنْقُلُ إِلَيْهِ الْأَهْلَ وَالْوَلَدَ لِئَلَّا يَظْهَرَ الْعَدُوُّ فَيَسْبِيَ وَيَسْتَرِقَّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ- جَاءَ فِي فَضْلِ الرِّبَاطِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا (. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:) رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ ((?). وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ في سننه عن فضالة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015