تفسير القرطبي (صفحة 1642)

[البقرة: 184] وَلَيْسَ مِنَ التَّطْوِيقِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: مَعْنَى" سَيُطَوَّقُونَ" سَيُجْعَلُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ طَوْقٌ مِنَ النَّارِ. وَهَذَا يَجْرِي مَعَ التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ [أَيْ] (?) قَوْلُ السُّدِّيِّ. وَقِيلَ: يُلْزَمُونَ أَعْمَالَهُمْ كَمَا يَلْزَمُ الطَّوْقُ الْعُنُقَ، يُقَالُ: طُوِّقَ فُلَانٌ عَمَلَهُ طَوْقَ الْحَمَامَةِ، أَيْ أُلْزِمَ عَمَلَهُ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:" وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ" [الاسراء: 13] (?). ومن هذا المعنى قول عبد الله ابن جَحْشٍ لِأَبِي سُفْيَانَ:

أَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنْ أَمْرٍ عَوَاقِبُهُ نَدَامَهْ

دَارَ (?) ابْنِ عَمِّكَ بِعْتَهَا ... تقتضي بِهَا عَنْكَ الْغَرَامَهْ

وَحَلِيفُكُمْ بِاللَّهِ رَبِّ ... النَّاسِ مُجْتَهِدُ الْقَسَامَهْ

اذْهَبْ بِهَا اذْهَبْ بِهَا ... طُوِّقْتَهَا طَوْقَ الْحَمَامَهْ

وَهَذَا يَجْرِي مَعَ التَّأْوِيلِ الثَّانِي. والبخل والبخل في اللغة أن يمنع الانسال الحق الواجب عليه؟؟. فأما من منع مالا يَجِبُ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِبَخِيلٍ، لِأَنَّهُ لَا يُذَمُّ بِذَلِكَ. وَأَهْلُ الْحِجَازِ يَقُولُونَ: يَبْخُلُونَ وَقَدْ بَخُلُوا. وَسَائِرُ الْعَرَبِ يَقُولُونَ: بَخِلُوا يَبْخَلُونَ، حَكَاهُ النَّحَّاسُ. وَبَخِلَ يَبْخَلُ بُخْلًا وَبَخَلًا، عَنِ ابْنِ فَارِسٍ. الثَّالِثَةُ- فِي ثَمَرَةِ الْبُخْلِ وَفَائِدَتِهِ. وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْأَنْصَارِ: (مَنْ سَيِّدُكُمْ؟) قَالُوا الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ عَلَى بُخْلٍ فِيهِ. فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَى (?) مِنَ الْبُخْلِ) قَالُوا: وَكَيْفَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (إِنَّ قَوْمًا نَزَلُوا بِسَاحِلِ الْبَحْرِ فَكَرِهُوا لِبُخْلِهِمْ نُزُولَ الْأَضْيَافِ بِهِمْ فَقَالُوا: لِيَبْعُدِ الرِّجَالُ مِنَّا عَنِ النِّسَاءِ حَتَّى يَعْتَذِرَ الرِّجَالُ إِلَى الْأَضْيَافِ ببعد النساء، وتعتذر النساء ببعد الرجال، ففعلوا وَطَالَ ذَلِكَ بِهِمْ فَاشْتَغَلَ الرِّجَالُ بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ) ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي كِتَابِ" أَدَبِ الدُّنْيَا والدين". والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015