تفسير القرطبي (صفحة 1632)

وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ زِيَادَةُ إِيمَانٍ، فَالْقَوْلُ فِيهِ إِنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ قَوْلٌ مَجَازِيٌّ، وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ النَّقْصُ عَلَى هَذَا الْحَدِّ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَنْ عَلِمَ. فَاعْلَمْ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) أَيْ كَافِينَا اللَّهُ. وَحَسْبُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْإِحْسَابِ، وَهُوَ الْكِفَايَةُ. قَالَ الشَّاعِرُ:

فَتَمْلَأُ بَيْتَنَا إِقْطًا «1» وَسَمْنًا ... وَحَسْبُكَ مِنْ غِنًى شِبَعٌ وَرِيٌ

رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ- إِلَى قَوْلِهِ:-" وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ" قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ. وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ: إِنَّ الناس قد جمعوا لكم. والله أعلم.

[سورة آل عمران (3): آية 174]

فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)

قَالَ عُلَمَاؤُنَا: لَمَّا فَوَّضُوا أُمُورَهُمْ إِلَيْهِ، وَاعْتَمَدُوا بِقُلُوبِهِمْ عَلَيْهِ، أَعْطَاهُمْ مِنَ الْجَزَاءِ أَرْبَعَةَ مَعَانٍ: النِّعْمَةُ، وَالْفَضْلُ، وَصَرْفُ السُّوءِ، وَاتِّبَاعُ الرِّضَا. فرضاهم عنه، ورضي عنهم.

[سورة آل عمران (3): آية 175]

إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: الْمَعْنَى يُخَوِّفُكُمْ أَوْلِيَاءَهُ، أَيْ بِأَوْلِيَائِهِ، أَوْ مِنْ أَوْلِيَائِهِ، فَحَذَفَ حَرْفَ الْجَرِّ وَوَصَلَ الْفِعْلَ إِلَى الِاسْمِ فَنَصَبَ. كَمَا قَالَ تَعَالَى:" لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً" [الكهف: 2] «2» أَيْ لِيُنْذِرَكُمْ بِبَأْسٍ شَدِيدٍ، أَيْ يُخَوِّفُ الْمُؤْمِنَ بِالْكَافِرِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَالسُّدِّيُّ: الْمَعْنَى يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ الْمُنَافِقِينَ، لِيَقْعُدُوا عَنْ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ. فَأَمَّا أَوْلِيَاءُ اللَّهِ فَإِنَّهُمْ لَا يَخَافُونَهُ إِذَا خَوَّفَهُمْ. وَقَدْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015