تفسير القرطبي (صفحة 1628)

فَيَسْتَأْصِلُوا أَهْلَهَا، فَقَالُوا مَا أَخْبَرَنَا اللَّهُ عَنْهُمْ:" حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ". وَبَيْنَا قُرَيْشٌ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ إِذْ جَاءَهُمْ مَعْبَدٌ الْخُزَاعِيُّ، وَكَانَتْ خُزَاعَةُ حُلَفَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَيْبَةَ (?) نُصْحِهِ، وَكَانَ قَدْ رَأَى حَالَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ، وَلَمَّا رَأَى عَزْمَ قُرَيْشٍ عَلَى الرُّجُوعِ لِيَسْتَأْصِلُوا أَهْلَ الْمَدِينَةِ احْتَمَلَهُ خَوْفُ ذَلِكَ، وَخَالَصَ نُصْحَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ عَلَى أَنْ خَوَّفَ قُرَيْشًا بِأَنْ قَالَ لَهُمْ: قَدْ تَرَكْتُ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ فِي جَيْشٍ عَظِيمٍ، قَدِ اجْتَمَعَ لَهُ مَنْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْهُ، وَهُمْ قَدْ تَحَرَّقُوا عَلَيْكُمْ، فالنجاء النجاء! فإني أنهاك عن ذلك، فو الله لَقَدْ حَمَلَنِي مَا رَأَيْتُ أَنْ قُلْتُ فِيهِ أَبْيَاتًا مِنَ الشِّعْرِ. قَالَ: وَمَا قُلْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ:

كَادَتْ تُهَدُّ مِنَ الْأَصْوَاتِ رَاحِلَتِي ... إِذْ سَالَتِ الْأَرْضُ بِالْجُرْدِ الْأَبَابِيلِ (?)

تُرْدِي بِأُسْدٍ كِرَامٍ لَا تَنَابِلَةٍ ... عِنْدَ اللِّقَاءِ وَلَا مِيلٍ مَعَازِيلِ (?)

فَظَلْتُ عَدْوًا أَظُنُّ الْأَرْضَ مَائِلَةً ... لَمَّا سَمَوْا بِرَئِيسٍ غَيْرِ مَخْذُولِ

فَقُلْتُ وَيْلَ ابْنِ حَرْبٍ مِنْ لِقَائِكُمُ ... إِذَا تَغَطْمَطَتِ الْبَطْحَاءُ بِالْخَيْلِ (?)

إِنِّي نَذِيرٌ لِأَهْلِ الْبَسْلِ ضَاحِيَةً ... لِكُلِّ ذِي إِرْبَةٍ مِنْهُمْ وَمَعْقُولِ

مِنْ جَيْشِ أَحْمَدَ لَا وَخْشٌ قَنَابِلُهُ ... وَلَيْسَ يُوصَفُ مَا أَنْذَرْتُ بِالْقِيلِ (?)

قَالَ: فَثَنَى ذَلِكَ أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ، وَقَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، وَرَجَعُوا إِلَى مَكَّةَ خَائِفِينَ مُسْرِعِينَ، وَرَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ مَنْصُورًا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ" [آل عمران: 174] أي قتال ورعب. واستأذن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015