تفسير القرطبي (صفحة 1625)

مِنَ الْمُضْمَرِ فِي" يُرْزَقُونَ". وَيَجُوزُ فِي الْكَلَامِ" فَرِحُونَ" عَلَى النَّعْتِ لِأَحْيَاءٍ. وَهُوَ مِنَ الْفَرَحِ بِمَعْنَى السُّرُورِ. وَالْفَضْلُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ النَّعِيمُ الْمَذْكُورُ. وَقَرَأَ ابْنُ السَّمَيْقَعِ" فَارِحِينَ" بِالْأَلِفِ وَهُمَا لُغَتَانِ، كَالْفَرِهِ وَالْفَارِهِ، وَالْحَذِرِ وَالْحَاذِرِ، وَالطَّمِعِ وَالطَّامِعِ، وَالْبَخِلِ وَالْبَاخِلِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَيَجُوزُ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ رَفْعُهُ، يَكُونُ نَعْتًا لِأَحْيَاءٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ) الْمَعْنَى لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ فِي الْفَضْلِ، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ فَضْلٌ. وَأَصْلُهُ مِنَ الْبَشَرَةِ «1»، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا فَرِحَ ظَهَرَ أَثَرُ السُّرُورِ فِي وَجْهِهِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ.: يُؤْتَى الشَّهِيدُ بِكِتَابٍ فِيهِ ذِكْرُ مَنْ يَقْدَمُ عَلَيْهِ مِنْ إِخْوَانِهِ، فَيَسْتَبْشِرُ كَمَا يَسْتَبْشِرُ أَهْلُ الْغَائِبِ بِقُدُومِهِ فِي الدنيا. وقال قتادة وابن جريح وَالرَّبِيعُ وَغَيْرُهُمْ: اسْتِبْشَارُهُمْ بِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِخْوَانُنَا الَّذِينَ تَرَكْنَا خَلْفَنَا فِي الدُّنْيَا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَعَ نَبِيِّهِمْ، فَيُسْتَشْهَدُونَ فَيَنَالُونَ مِنَ الْكَرَامَةِ مِثْلَ مَا نَحْنُ فِيهِ، فَيُسَرُّونَ وَيَفْرَحُونَ لَهُمْ بِذَلِكَ. وَقِيلَ: إِنَّ الْإِشَارَةَ بِالِاسْتِبْشَارِ لِلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ إِلَى جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ لَمْ يُقْتَلُوا، وَلَكِنَّهُمْ لَمَّا عَايَنُوا ثَوَابَ اللَّهِ وَقَعَ الْيَقِينُ بِأَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي يُثِيبُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَهُمْ فَرِحُونَ لِأَنْفُسِهِمْ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، مُسْتَبْشِرُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. ذَهَبَ إلى هذا المعنى الزجاج وابن فورك.

[سورة آل عمران (3): آية 171]

يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)

أَيْ بِجَنَّةٍ مِنَ اللَّهِ. وَيُقَالُ: بِمَغْفِرَةٍ مِنَ اللَّهِ. (وَفَضْلٍ) هَذَا لِزِيَادَةِ الْبَيَانِ. وَالْفَضْلُ دَاخِلٌ فِي النِّعْمَةِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اتِّسَاعِهَا، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ كَنِعَمِ الدُّنْيَا. وَقِيلَ: جَاءَ الْفَضْلُ بَعْدَ النِّعْمَةِ عَلَى وَجْهِ التأكيد، روى الترمذي عن المقدام بن معديكرب قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ- كَذَا في الترمذي وابن ماجة" ست"،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015