تفسير القرطبي (صفحة 1607)

وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَرْفَعُ لِلْغَادِرِ لِوَاءً، وَكَذَلِكَ يُطَافُ بِالْجَانِي مَعَ جِنَايَتِهِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَذَكَرَ الْغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ ثُمَّ قَالَ: (لَا ألفين أحدكم يجئ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ يَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ لَا أُلْفِيَنَّ أحدكم يجئ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ (?) فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ لَا أُلْفِيَنَّ أحدكم يجئ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ يَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ لَا أُلْفِيَنَّ أحدكم يجئ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ نَفْسٌ لَهَا صِيَاحٌ فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ لَا أُلْفِيَنَّ أحدكم يجئ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ (?) تَخْفِقُ فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يجئ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ (?) فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ) وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ سَمُرَةَ (?) بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَصَابَ غَنِيمَةً أَمَرَ بِلَالًا فَنَادَى فِي النَّاسِ فَيَجِيئُونَ بِغَنَائِمِهِمْ فَيُخَمِّسُهُ وَيَقْسِمُهُ، فَجَاءَ رَجُلٌ يَوْمًا بَعْدَ النِّدَاءِ بِزِمَامٍ مِنَ الشَّعْرِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا كَانَ فِيمَا أَصَبْنَاهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ. فَقَالَ: (أَسْمَعْتَ بِلَالًا يُنَادِي ثَلَاثًا)؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: (فما منعك أن تجئ به)؟ فاعتذر إليه. فقال: (كلا (?) أنت تجئ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلَنْ أَقْبَلَهُ مِنْكَ). قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: أَرَادَ يُوَافِي بِوِزْرِ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:" وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ مَا يَزِرُونَ" [الانعام: 31] (?). وَقِيلَ: الْخَبَرُ مَحْمُولٌ عَلَى شُهْرَةِ الْأَمْرِ، أَيْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَدْ شَهَّرَ اللَّهُ أَمْرَهُ كَمَا يُشَهَّرُ لَوْ حَمَلَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ فَرَسًا لَهُ حَمْحَمَةٌ. قُلْتُ: وَهَذَا عُدُولٌ عَنِ الْحَقِيقَةِ إِلَى الْمَجَازِ وَالتَّشْبِيهِ، وَإِذَا دَارَ الْكَلَامُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَالْحَقِيقَةُ الْأَصْلُ كَمَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ. وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحقيقة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015