تفسير القرطبي (صفحة 1605)

نَزَلَتْ بِسَبَبِ قَطِيفَةٍ حَمْرَاءَ فُقِدَتْ فِي الْمَغَانِمِ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَعَلَّ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهَا، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: قِيلَ كَانَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةُ مِنْ مُؤْمِنِينَ لَمْ يَظُنُّوا أَنَّ فِي ذَلِكَ حَرَجًا. وَقِيلَ: كَانَتْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْمَفْقُودَ كَانَ سَيْفًا. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ تُخَرَّجُ عَلَى قِرَاءَةِ" يَغُلَّ" بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْغَيْنِ. وَرَوَى أَبُو صَخْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ" وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ" قَالَ: تَقُولُ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكْتُمَ شَيْئًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. وَقِيلَ: اللَّامُ فِيهِ مَنْقُولَةٌ، أَيْ وَمَا كَانَ نَبِيٌّ لِيَغُلَّ، كَقَوْلِهِ:" مَا كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ" [مريم: 35] (?). أي ما كان الله ليتخذ ولدا. وقرى" يُغَلِّ" بِضَمِ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: [لَمْ نَسْمَعْ فِي الْمَغْنَمِ إِلَّا غَلَّ غلولا، وقرى (?) و [ما كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَيُغَلَّ. قَالَ: فَمَعْنَى" يَغُلَّ" يَخُونُ، وَمَعْنَى" يُغَلَّ" يَخُونُ، وَيَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا يُخَانُ أَيْ يُؤْخَذُ مِنْ غَنِيمَتِهِ، وَالْآخَرُ يُخَوَّنُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى الْغُلُولِ: ثُمَّ قِيلَ: إِنَّ كُلَّ مَنْ غَلَّ شَيْئًا فِي خَفَاءٍ فَقَدْ غَلَّ يَغُلُّ غُلُولًا: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: سُمِّيَتْ غُلُولًا لِأَنَّ الْأَيْدِيَ مَغْلُولَةٌ مِنْهَا، أَيْ مَمْنُوعَةٌ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْغُلُولُ مِنَ الْمَغْنَمِ خَاصَّةً، وَلَا نَرَاهُ مِنَ الْخِيَانَةِ وَلَا مِنَ الْحِقْدِ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُقَالُ مِنَ الْخِيَانَةِ: أَغَلَّ يُغِلُّ، وَمِنَ الْحِقْدِ: غَلَّ يَغِلُّ بِالْكَسْرِ، وَمِنَ الْغُلُولِ: غَلَّ يَغُلُّ بِالضَّمِّ. وَغَلَّ الْبَعِيرُ أَيْضًا [يَغَلُّ غَلَّةً] (?) إِذَا لَمْ يَقْضِ رِيَّهُ وَأَغَلَّ الرَّجُلُ خَانَ، قَالَ النَّمِرُ:

جَزَى اللَّهُ عَنَّا حَمْزَةَ (?) ابْنَةَ نَوْفَلٍ ... جَزَاءَ مُغِلٍّ بِالْأَمَانَةِ كَاذِبِ

وَفِي الْحَدِيثِ: (لَا إِغْلَالَ وَلَا إِسْلَالَ) أَيْ لَا خِيَانَةَ وَلَا سَرِقَةَ، وَيُقَالُ: لَا رِشْوَةَ. وَقَالَ شُرَيْحٌ: لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُؤْمِنٍ) مَنْ رَوَاهُ بِالْفَتْحِ (?) فَهُوَ مِنَ الضِّغْنِ. وَغَلَّ [دخل] (?) يتعدى ولا يتعدى، يقال:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015