ثَنَاءٌ أَثْنَى بِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَفِي ضِمْنِهِ أَمَرَ عِبَادَهُ أَنْ يُثْنُوا عَلَيْهِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: قولوا الحمد لله، وعلى هذا يجئ قُولُوا إِيَّاكَ. وَهَذَا مِنْ حَذْفِ الْعَرَبِ مَا يَدُلُّ ظَاهِرُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
وَأَعْلَمُ أَنَّنِي سَأَكُونُ رَمْسًا ... إِذَا سَارَ النَّوَاعِجُ «1» لَا يَسِيرُ
فَقَالَ السَّائِلُونَ لِمَنْ حَفَرْتُمْ ... فَقَالَ الْقَائِلُونَ لَهُمْ وَزِيرُ
الْمَعْنَى: الْمَحْفُورُ لَهُ وَزِيرٌ، فَحُذِفَ لِدَلَالَةِ ظَاهِرِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَهَذَا كَثِيرٌ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ أَبِي عَبْلَةَ:" الْحَمْدُ لِلَّهِ" بِضَمِّ الدَّالِ وَاللَّامِ عَلَى إِتْبَاعِ الثَّانِي الْأَوَّلَ، وَلِيَتَجَانَسَ اللَّفْظُ، وَطَلَبُ التَّجَانُسِ فِي اللَّفْظِ كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ، نَحْوَ: أَجُوءُكَ، وَهُوَ مُنْحَدُرٌ مِنَ الْجَبَلِ، بِضَمِّ الدَّالِ وَالْجِيمِ. قَالَ:
اضْرِبِ السَّاقَيْنُ أُمُّكَ هَابِلُ
بِضَمِّ النُّونِ لِأَجْلِ ضَمِّ الْهَمْزَةِ. وَفِي قِرَاءَةٍ لِأَهْلِ مَكَّةَ" مُرُدِفِينَ" بِضَمِّ الرَّاءِ إِتْبَاعًا لِلْمِيمِ، وَعَلَى ذَلِكَ" مُقُتِّلِينَ" بِضَمِّ الْقَافِ. وَقَالُوا: لِإِمِّكَ، فَكَسَرُوا الْهَمْزَةَ إِتْبَاعًا لِلَّامِ، وَأُنْشِدَ لِلنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ:
وَيَلِ امِّهَا فِي هَوَاءِ الْجَوِّ طَالِبَةً ... وَلَا كَهَذَا الَّذِي فِي الْأَرْضِ مَطْلُوبُ «2»
الْأَصْلُ: وَيْلٌ لِأُمِّهَا، فَحُذِفَتِ اللَّامُ الْأُولَى وَاسْتُثْقِلَ ضَمُّ الْهَمْزَةِ بَعْدَ الْكَسْرَةِ فَنَقَلَهَا لِلَّامِ ثُمَّ أَتْبَعَ اللَّامَ الْمِيمَ. وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ وَزَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ:" الْحَمْدُ لِلَّهِ" بِكَسْرِ الدَّالِّ عَلَى اتْبَاعِ الْأَوَّلِ الثَّانِيَ. الثَّامِنَةُ قَوْلُهُ تَعَالَى: رَبِّ الْعالَمِينَ (?) أَيْ مَالِكُهُمْ، وَكُلِّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا فَهُوَ رَبُّهُ، فَالرَّبُّ: الْمَالِكُ. وَفِي الصِّحَاحِ: وَالرَّبُّ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يُقَالُ فِي غَيْرِهِ إِلَّا بِالْإِضَافَةِ، وَقَدْ قَالُوهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِلْمَلِكِ، قَالَ الْحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ:
وَهُوَ الرَّبُّ وَالشَّهِيدُ عَلَى يو ... م الحيارين «3» والبلاء بلاء