أَشْيَاءَ: أَوَّلُهَا أَنَّهُ جَعَلَهُ أَبَا الْبَشَرِ، لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ غَرِقُوا وَصَارَ ذُرِّيَّتُهُ هُمُ الْبَاقِينَ، وَالثَّانِي أَنَّهُ أَطَالَ عُمْرَهُ، وَيُقَالُ: طُوبَى لِمَنْ طَالَ عُمْرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ اسْتَجَابَ دُعَاءَهُ عَلَى الْكَافِرِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَالرَّابِعُ أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى السَّفِينَةِ، وَالْخَامِسُ أَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ نَسَخَ الشَّرَائِعَ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَحْرُمْ تَزْوِيجُ الْخَالَاتِ وَالْعَمَّاتِ. وَاخْتَارَ إِبْرَاهِيمَ بِخَمْسَةِ أَشْيَاءَ: أَوَّلُهَا أَنَّهُ جَعَلَهُ أَبَا الْأَنْبِيَاءِ، لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ صُلْبِهِ أَلْفُ «1» نَبِيٍّ مِنْ زَمَانِهِ إِلَى زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالثَّانِي أَنَّهُ اتَّخَذَهُ خَلِيلًا، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ أَنْجَاهُ مِنَ النَّارِ، وَالرَّابِعُ أَنَّهُ جَعَلَهُ إِمَامًا لِلنَّاسِ، وَالْخَامِسُ أَنَّهُ ابْتَلَاهُ بِالْكَلِمَاتِ فَوَفَّقَهُ حَتَّى أَتَمَّهُنَّ. ثُمَّ قَالَ:" وَآلَ عِمْرانَ" فَإِنْ كَانَ عِمْرَانُ أَبَا مُوسَى وَهَارُونَ فَإِنَّمَا اخْتَارَهُمَا عَلَى الْعَالَمِينَ حَيْثُ بَعَثَ عَلَى قَوْمِهِ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى وَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْعَالَمِ. وَإِنْ كَانَ أَبَا مَرْيَمَ فَإِنَّهُ اصْطَفَى لَهُ مَرْيَمَ بِوِلَادَةِ عِيسَى بِغَيْرِ أَبٍ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِأَحَدٍ فِي الْعَالَمِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)
قَوْلُهُ تَعَالَى: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَةِ مَعْنَى الذُّرِّيَّةِ واشتقاقها «2». وهي نصب على الحال، قال الْأَخْفَشُ. أَيْ فِي حَالِ كَوْنِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، أَيْ ذُرِّيَّةٌ بَعْضُهَا مِنْ وَلَدِ بَعْضٍ. الْكُوفِيُّونَ: عَلَى الْقَطْعِ. الزَّجَّاجُ: بَدَلٌ، أَيِ اصْطَفَى ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، وَمَعْنَى بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، يَعْنِي فِي التَّنَاصُرِ فِي الدِّينِ، كَمَا قال:" الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ" [التوبة: 67] «3» يعني في الضلالة، قال الْحَسَنُ وقَتَادَةُ. وَقِيلَ: فِي الِاجْتِبَاءِ وَالِاصْطِفَاءِ وَالنُّبُوَّةِ. وقيل: المراد به التناسل، وهذا أضعفها.
إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (36)