وَقَالَ" فَإِنَّ اللَّهَ" وَلَمْ يَقُلْ" فَإِنَّهُ" لِأَنَّ الْعَرَبَ إِذَا عَظَّمَتِ الشَّيْءَ أَعَادَتْ ذِكْرَهُ، وَأَنْشَدَ سيبويه:
لا أرى الموت يسبق الموت شي ... نغص الموت ذا الغني والفقيرا «1»
إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (33)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً) اصْطَفَى اخْتَارَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَةِ «2». وَتَقَدَّمَ فِيهَا اشْتِقَاقُ آدَمَ «3» وَكُنْيَتُهُ، وَالتَّقْدِيرُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى دِينَهُمْ وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ، فَحَذَفَ الْمُضَافَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: اخْتَارَهُمْ لِلنُّبُوَّةِ عَلَى عَالَمِي زَمَانِهِمْ." وَنُوحاً" قِيلَ إِنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ نَاحَ يَنُوحُ، وَهُوَ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ إِلَّا أَنَّهُ انْصَرَفَ لِأَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ، وَهُوَ شَيْخُ الْمُرْسَلِينَ، وَأَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ بَعْدَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِتَحْرِيمِ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ وَسَائِرِ الْقَرَابَاتِ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ إِدْرِيسَ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الْمُؤَرِّخِينَ فَقَدْ وَهِمَ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي" الْأَعْرَافِ" «4» إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَةِ مَعْنَى الْآلِ وَعَلَى مَا يُطْلَقُ مُسْتَوْفًى «5». وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: آلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ آلِ إِبْرَاهِيمَ وَآلِ عِمْرَانَ وَآلِ يَاسِينَ وَآلِ مُحَمَّدٍ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى:" إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ" [آل عمران: 68] وَقِيلَ: آلُ إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلُ وَإِسْحَاقُ وَيَعْقُوبُ وَالْأَسْبَاطُ، وَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آلِ إِبْرَاهِيمَ. وَقِيلَ: آلُ إِبْرَاهِيمَ نَفْسُهُ، وَكَذَا آلُ عِمْرَانَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ" [البقرة: 248] «6». وَفِي الْحَدِيثِ: (لَقَدْ أُعْطِيَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آل داود)، وقال الشاعر: