تفسير القرطبي (صفحة 1394)

وَالْإِسْلَامِ التَّغَايُرُ، لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ (?). وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْمُرَادَفَةِ. فَيُسَمَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِاسْمِ الْآخَرِ، كَمَا فِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ (?) وَأَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ [بِاللَّهِ] (?) وَحْدَهُ وَقَالَ: (هَلْ تَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ)؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمُسًا مِنَ الْمَغْنَمِ) الْحَدِيثَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ بَابًا فَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى وَأَرْفَعُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَزَادَ مُسْلِمٌ (وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ). وَيَكُونُ أَيْضًا بِمَعْنَى التَّدَاخُلِ وَهُوَ أَنْ يُطْلَقَ أَحَدُهُمَا وَيُرَادَ بِهِ مُسَمَّاهُ فِي الْأَصْلِ وَمُسَمَّى الْآخَرِ، كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِذْ قَدْ دخل فيها التصديق والأعمال، ومنه قول عَلَيْهِ السَّلَامُ: (الْإِيمَانُ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ وَقَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ). أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَالْحَقِيقَةُ هُوَ الْأَوَّلُ وَضْعًا وَشَرْعًا، وَمَا عَدَاهُ مِنْ بَابِ التَّوَسُّعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) الْآيَةَ. أَخْبَرَ تَعَالَى عَنِ اخْتِلَافِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُ كَانَ عَلَى عِلْمٍ مِنْهُمْ بِالْحَقَائِقِ، وَأَنَّهُ كَانَ بَغْيًا وطلبا للدنيا. قال ابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ. وَفِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَالْمَعْنَى: وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ، قَالَهُ الْأَخْفَشُ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ: الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَةِ النَّصَارَى، وَهِيَ تَوْبِيخٌ لِنَصَارَى نَجْرَانَ. وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: الْمُرَادُ بِهَا الْيَهُودُ. وَلَفْظُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَعُمُّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، أَيْ" وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ" يَعْنِي فِي نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ" يَعْنِي بَيَانَ صِفَتِهِ وَنُبُوَّتِهِ فِي كُتُبِهِمْ. وَقِيلَ:؟ أَيْ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْإِنْجِيلَ (?) فِي أَمْرِ عِيسَى وَفَرَّقُوا فِيهِ الْقَوْلَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بِأَنَّ اللَّهَ إِلَهٌ وَاحِدٌ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ. و" بَغْياً" نُصِبَ عَلَى الْمَفْعُولِ مِنْ أَجْلِهِ، أَوْ عَلَى الْحَالِ مِنَ (الَّذِينَ). وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015