فِيهِ إِحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ) زُيِّنَ مِنَ التَّزْيِينِ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ مَنِ الْمُزَيِّنُ، فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: اللَّهُ زَيَّنَ ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ. وَفِي التَّنْزِيلِ:" إِنَّا جَعَلْنا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً (?) لَها"، وَلَمَّا قَالَ عُمَرُ: الْآنَ يَا رَبِّ حِينَ زَيَّنْتَهَا لنا! نزلت:" قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ" وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: الْمُزَيِّنُ هُوَ الشَّيْطَانُ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْحَسَنِ، فَإِنَّهُ قَالَ: مَنْ زَيَّنَهَا؟ مَا أَحَدٌ أَشَدَّ لَهَا ذَمًّا مِنْ خَالِقِهَا. فَتَزْيِينُ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّمَا هُوَ بِالْإِيجَادِ وَالتَّهْيِئَةِ لِلِانْتِفَاعِ وَإِنْشَاءِ الْجِبِلَّةِ عَلَى الْمَيْلِ إِلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. وَتَزْيِينُ الشَّيْطَانِ إِنَّمَا هُوَ بالوسوسة والخد يعه وَتَحْسِينِ أَخْذِهَا مِنْ غَيْرِ وُجُوهِهَا. وَالْآيَةُ عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ ابْتِدَاءُ وَعْظٍ لِجَمِيعِ النَّاسِ، وَفِي ضِمْنِ ذَلِكَ تَوْبِيخٌ لِمُعَاصِرِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ" زُيِّنَ" عَلَى بِنَاءِ الْفِعْلِ لِلْمَفْعُولِ، وَرَفْعِ" حُبٍّ". وَقَرَأَ الضَّحَّاكُ وَمُجَاهِدٌ" زَيَّنَ" عَلَى بِنَاءِ الْفِعْلِ لِلْفَاعِلِ، وَنَصْبِ" حُبٍّ" وَحُرِّكَتِ الْهَاءُ مِنَ" الشَّهَوَاتِ" فَرْقًا بَيْنَ الِاسْمِ وَالنَّعْتِ. وَالشَّهَوَاتُ جَمْعُ شَهْوَةٍ وهى معروفة. ورجل شهوان (?) للشيء، وشئ شَهِيٌّ أَيْ مُشْتَهًى. وَاتِّبَاعُ الشَّهَوَاتِ مُرْدٍ وَطَاعَتُهَا مَهْلَكَةٌ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: (حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ" رَوَاهُ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفَائِدَةُ هَذَا التَّمْثِيلِ أَنَّ الْجَنَّةَ لَا تُنَالُ إِلَّا بِقَطْعِ مَفَاوِزِ الْمَكَارِهِ وَبِالصَّبْرِ عَلَيْهَا. وَأَنَّ النَّارَ لَا يُنْجَى مِنْهَا إِلَّا بِتَرْكِ الشَّهَوَاتِ وَفِطَامِ النَّفْسِ عَنْهَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:" طَرِيقُ الْجَنَّةِ حَزْنٌ (?) بِرَبْوَةٍ وَطَرِيقُ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ"، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ" حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ". أَيْ طَرِيقُ الْجَنَّةِ صَعْبَةُ الْمَسْلَكِ فِيهِ أَعْلَى مَا يَكُونُ مِنَ الرَّوَابِي، وَطَرِيقُ النَّارِ سَهْلٌ لَا غِلَظَ فِيهِ وَلَا وُعُورَةَ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ" سَهْلٌ بسهوة" وهو بالسين المهملة.