إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (?)
هَذَا خَبَرٌ عَنْ عِلْمِهِ تَعَالَى بِالْأَشْيَاءِ عَلَى التَّفْصِيلِ، وَمِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ. فَهُوَ الْعَالِمُ بِمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَمَا لَا يَكُونُ، فَكَيْفَ يَكُونُ عِيسَى إِلَهًا أَوِ ابْنَ إِلَهٍ وَهُوَ تَخْفَى عَلَيْهِ الأشياء!.
[سورة آل عمران (?): آية 6]
هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (?)
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ) أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ تَصْوِيرِهِ لِلْبَشَرِ فِي أَرْحَامِ الْأُمَّهَاتِ وَأَصْلُ الرَّحِمِ مِنَ الرَّحْمَةِ، لِأَنَّهَا مِمَّا يُتَرَاحَمُ بِهِ. وَاشْتِقَاقُ الصُّورَةِ مِنْ صَارَهُ إِلَى كَذَا إِذَا أَمَالَهُ، فَالصُّورَةُ مَائِلَةٌ إِلَى شَبَهٍ وَهَيْئَةٍ. وَهَذِهِ الْآيَةُ تَعْظِيمٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَفِي ضِمْنِهَا الرَّدُّ عَلَى نَصَارَى نَجْرَانَ، وَأَنَّ عِيسَى مِنَ الْمُصَوَّرِينَ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يُنْكِرُهُ عَاقِلٌ. وَأَشَارَ تَعَالَى إِلَى شَرْحِ التَّصْوِيرِ فِي سُورَةِ" الْحَجِّ" «1» وَ" الْمُؤْمِنُونَ". وَكَذَلِكَ شَرَحَهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَلَى مَا يَأْتِي هُنَاكَ [بَيَانُهُ] «2» إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِيهَا الرَّدُّ عَلَى الطَّبَائِعِيِّينَ أَيْضًا إِذْ يَجْعَلُونَهَا فَاعِلَةً مُسْتَبِدَّةً. وَقَدْ مَضَى الرَّدُّ عَلَيْهِمْ فِي آيَةِ التَّوْحِيدِ «3» وَفِي مُسْنَدِ ابْنِ سَنْجَرَ- وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَنْجَرَ- حَدِيثٌ" إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ عِظَامَ الْجَنِينِ وَغَضَارِيفَهُ «4» مِنْ مَنِيِّ الرَّجُلِ وَشَحْمَهُ وَلَحْمَهُ مِنْ مَنِيِّ الْمَرْأَةِ". وَفِي هَذَا أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ مِنْ مَاءِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَهُوَ صَرِيحٌ [في] «5» قول تَعَالَى:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى " «6». وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ وَفِيهِ: أَنَّ الْيَهُودِيَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وجئت أسألك عن شي لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ. قَالَ:" يَنْفَعُكَ إن حدثتك"؟.