مَا تَعْتَقِدُهُ الْمُتَصَوِّفَةُ مِنْ أَنَّ إِكْثَارَ الْمَالِ حِجَابٌ وَعُقُوبَةٌ، وَأَنَّ حَبْسَهُ يُنَافِي التَّوَكُّلَ، وَلَا يُنْكَرُ أَنَّهُ يُخَافُ مِنْ فِتْنَتِهِ، وَأَنَّ خَلْقًا كَثِيرًا اجْتَنَبُوهُ لِخَوْفِ ذَلِكَ، وَأَنَّ جَمْعَهُ مِنْ وَجْهِهِ لَيَعِزُّ (?)، وَأَنَّ سَلَامَةَ الْقَلْبِ مِنَ الِافْتِتَانِ بِهِ تَقِلُّ، وَاشْتِغَالُ الْقَلْبِ مَعَ وُجُودِهِ بِذِكْرِ الْآخِرَةِ يَنْدُرُ، فَلِهَذَا خِيفَ فِتْنَتُهُ. فَأَمَّا كَسْبُ الْمَالِ فَإِنَّ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى كَسْبِ الْبُلْغَةِ من حلها فذلك أمر لأبد مِنْهُ وَأَمَّا مَنْ قَصَدَ جَمْعَهُ وَالِاسْتِكْثَارَ مِنْهُ مِنَ الْحَلَالِ نُظِرَ فِي مَقْصُودِهِ، فَإِنْ قَصَدَ نَفْسَ الْمُفَاخَرَةِ وَالْمُبَاهَاةِ فَبِئْسَ الْمَقْصُودُ، وَإِنْ قَصَدَ إِعْفَافَ نَفْسِهِ وَعَائِلَتِهِ، وَادَّخَرَ لِحَوَادِثِ زَمَانِهِ وَزَمَانِهِمْ، وَقَصَدَ التَّوْسِعَةَ عَلَى الْإِخْوَانِ وَإِغْنَاءَ الْفُقَرَاءِ وَفِعْلَ الْمَصَالِحِ أُثِيبَ عَلَى قَصْدِهِ، وَكَانَ جَمْعُهُ بِهَذِهِ النِّيَّةِ أَفْضَلَ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الطَّاعَاتِ. وَقَدْ كَانَتْ نِيَّاتُ خَلْقٍ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي جَمْعِ الْمَالِ سَلِيمَةً لِحُسْنِ مَقَاصِدِهِمْ بِجَمْعِهِ، فَحَرَصُوا عَلَيْهِ وَسَأَلُوا زِيَادَتَهُ. وَلَمَّا أَقْطَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْرَ حُضْرَ (?) فَرَسِهِ أَجْرَى الْفَرَسَ حَتَّى قَامَ ثُمَّ رَمَى سَوْطَهُ، فَقَالَ:" أَعْطُوهُ حَيْثُ بَلَغَ سَوْطُهُ". وَكَانَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ وَسِّعْ عَلَيَّ. وَقَالَ إِخْوَةُ يُوسُفَ:" وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ (?) ". وَقَالَ شُعَيْبٌ لِمُوسَى:" فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ (?) ". وَإِنَّ أَيُّوبَ لَمَّا عُوفِيَ نُثِرَ عَلَيْهِ (?) رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَأَخَذَ يَحْثِي فِي ثَوْبِهِ وَيَسْتَكْثِرُ مِنْهُ، فَقِيلَ لَهُ: أَمَا شَبِعْتَ؟ فَقَالَ: يَا رَبِّ فَقِيرٌ يَشْبَعُ مِنْ فَضْلِكَ؟. وَهَذَا أَمْرٌ مَرْكُوزٌ فِي الطِّبَاعِ. وَأَمَّا كَلَامُ الْمُحَاسِبِيِّ فَخَطَأٌ يَدُلُّ عَلَى الْجَهْلِ بِالْعِلْمِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ حَدِيثِ كَعْبٍ وَأَبِي ذَرٍّ فَمُحَالٌ، مِنْ وَضْعِ الْجُهَّالِ وَخَفِيَتْ عَدَمُ صِحَّتِهِ عَنْهُ لِلُحُوقِهِ بِالْقَوْمِ. وَقَدْ رُوِيَ بَعْضُ هَذَا وَإِنْ كَانَ طَرِيقُهُ لَا يَثْبُتُ، لِأَنَّ فِي سَنَدِهِ ابْنَ لَهِيعَةَ وَهُوَ مَطْعُونٌ فِيهِ. قَالَ يَحْيَى: لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ. وَالصَّحِيحُ فِي التَّارِيخِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ، فَقَدْ عَاشَ بَعْدَ أَبِي ذَرٍّ سَبْعَ سِنِينَ. ثُمَّ لَفْظُ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ حَدِيثِهِمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَدِيثَهُمْ مَوْضُوعٌ، ثُمَّ كَيْفَ تَقُولُ الصحابة: إنا نخاف على عبد الرحمن! أو ليس الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدًا عَلَى إِبَاحَةِ [جَمْعِ (?)] الْمَالِ مِنْ حله، فما وجه الخوف مع الإباحة؟ أو يأذن الشرع في شي ثم يعاقب