تفسير القرطبي (صفحة 1327)

فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ فَلَهُ رُكُوبُهُ واستخدام العبد. وقال الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ. الْحَدِيثُ الثَّانِي خَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا، وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ وَيَأْتِي بَيَانُهُ- مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ (?) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ (?) وَلِصَاحِبِهِ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ". وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْفَعَةُ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ، وَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ، وَالْمُرْتَهِنُ لَا يَنْتَفِعُ بِشَيْءٍ مِنَ الرَّهْنِ خَلَا الْإِحْفَاظِ لِلْوَثِيقَةِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَهُوَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ وَأَصَحُّهَا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ:" لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ [لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ] ". [قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَقَوْلُهُ:" مِنْ صَاحِبِهِ أَيْ لِصَاحِبِهِ (?) " [. وَالْعَرَبُ تضع" من" موضع اللام، كقولهم:

أَمِنْ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَةٌ لَمْ تُكَلَّمِ

قُلْتُ: قَدْ جَاءَ صَرِيحًا" لِصَاحِبِهِ" فَلَا حَاجَةَ لِلتَّأْوِيلِ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: كَانَ ذَلِكَ وَقْتَ كَوْنِ الرِّبَا مُبَاحًا، وَلَمْ يَنْهَ عَنْ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً، وَلَا عَنْ أَخْذِ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ وَإِنْ كَانَا غَيْرَ مُتَسَاوِيَيْنِ، ثُمَّ حَرَّمَ الرِّبَا بَعْدَ ذَلِكَ. وَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْأَمَةَ الْمَرْهُونَةَ (?) لَا يَجُوزُ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَطَأَهَا، فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ خِدْمَتُهَا. وَقَدْ قَالَ الشَّعْبِيُّ: لَا يُنْتَفَعُ مِنَ الرَّهْنِ بِشَيْءٍ. فَهَذَا الشَّعْبِيُّ رَوَى الْحَدِيثَ وَأَفْتَى بِخِلَافِهِ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ ذَلِكَ إِلَّا وَهُوَ مَنْسُوخٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ لَبَنَ الرَّهْنِ وَظَهْرَهُ لِلرَّاهِنِ. وَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ احْتِلَابُ الْمُرْتَهِنِ لَهُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" لَا يَحْتَلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ" مَا يَرُدُّهُ وَيَقْضِي بِنَسْخِهِ. وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ فَفِي الْأُصُولِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهَا فِي تَحْرِيمِ الْمَجْهُولِ وَالْغَرَرِ وَبَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ وَبَيْعِ مَا لَمْ يُخْلَقْ، مَا يَرُدُّهُ أَيْضًا، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ قبل نزول تحريم الربا. والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015