تفسير القرطبي (صفحة 1309)

أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ مَعَ قَوْلِهِ:" قُلْ لَا أَجِدُ (?) ". وَكَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَالْقُرْآنُ إِنَّمَا وَرَدَ بِغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ أَوْ مَسْحِهِمَا، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ. وَلَوْ جَازَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْقُرْآنَ نَسَخَ حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، لَجَازَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْقُرْآنَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:" وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا" وَفِي قَوْلِهِ:" إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ (?) " نَاسِخٌ لِنَهْيِهِ عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَبَيْعِ الْغَرَرِ وَبَيْعِ مَا لَمْ يُخْلَقْ، إِلَى سَائِرِ مَا نَهَى عَنْهُ فِي الْبُيُوعِ، وَهَذَا لَا يَسُوغُ لِأَحَدٍ، لِأَنَّ السُّنَّةَ مُبَيِّنَةٌ لِلْكِتَابِ. فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ مَا وَرَدَ مِنَ الْحَدِيثِ قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ فَلَا عُمُومَ. قُلْنَا: بَلْ ذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ تَقْعِيدِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَوْجَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُكْمَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ. وَمِمَّا يَشْهَدُ لِهَذَا التَّأْوِيلِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فِي الْحُقُوقِ، وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ وَالنَّظَرِ أَنَّا وَجَدْنَا الْيَمِينَ أَقْوَى مِنَ الْمَرْأَتَيْنِ، لِأَنَّهُمَا لَا مَدْخَلَ لَهُمَا فِي اللِّعَانِ وَالْيَمِينُ تَدْخُلُ فِي اللِّعَانِ. وَإِذَا صَحَّتِ السُّنَّةُ فَالْقَوْلُ بِهَا يَجِبُ، وَلَا تَحْتَاجُ السُّنَّةُ إِلَى مَا يُتَابِعُهَا (?)، لِأَنَّ مَنْ خَالَفَهَا مَحْجُوجٌ بِهَا. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. الْمُوفِيَةُ ثلاثين- وإذا تَقَرَّرَ وَثَبَتَ الْحُكْمُ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْوَهَّابِ: ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا دُونَ حُقُوقِ الْأَبْدَانِ، لِلْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كُلِّ قَائِلٍ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ. قَالَ: لِأَنَّ حُقُوقَ الْأَمْوَالِ أَخْفَضُ مِنْ حُقُوقِ الْأَبْدَانِ، بِدَلِيلِ (?) قَبُولِ شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِيهَا. وَقَدِ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ، هَلْ يَجِبُ الْقَوَدُ فِيهَا بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ يَجِبُ بِهِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْقَوَدِ وَالدِّيَةِ. وَالْأُخْرَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ به شي، لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْأَبْدَانِ. قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ: وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ في الأموال خاصة، وقال عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ (?): يُقْبَلُ فِي الْمَالِ الْمَحْضِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَلَا يُقْبَلُ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ الْمَحْضَيْنِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. وإن كان مضمون الشهادة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015