صَلَاحُ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى لَا يَبْقَى فِي يَدِهِ إِلَّا أَقَلُّ مَا يُجْزِئُهُ فِي الصَّلَاةِ مِنَ اللِّبَاسِ وَهُوَ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَهُوَ مِنْ سُرَّتِهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَقُوتِ يَوْمِهِ، لِأَنَّهُ الَّذِي يَجِبُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ إِذَا اضْطُرَّ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ مَنْ يأخذه منه. وفارق ها هنا الْمُفْلِسُ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، لِأَنَّ الْمُفْلِسَ لَمْ يَصِرْ إِلَيْهِ أَمْوَالُ النَّاسِ بِاعْتِدَاءٍ بَلْ هُمُ الَّذِينَ صَيَّرُوهَا إِلَيْهِ، فَيُتْرَكُ لَهُ مَا يُوَارِيهِ وَمَا هُوَ هَيْئَةُ لِبَاسِهِ. وَأَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ يَرَى أَلَّا يُتْرَكَ لِلْمُفْلِسِ اللِّبَاسُ إِلَّا أَقَلَّ مَا يُجْزِئُهُ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ مَا يُوَارِيهِ مِنْ سُرَّتِهِ إِلَى رُكْبَتِهِ، ثُمَّ كُلَّمَا وقع بيد هذا شي أَخْرَجَهُ عَنْ يَدِهِ وَلَمْ يُمْسِكْ مِنْهُ إِلَّا مَا ذَكَرْنَا، حَتَّى يَعْلَمَ هُوَ وَمَنْ يَعْلَمُ حَالَهُ أَنَّهُ أَدَّى مَا عَلَيْهِ. السَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ- هَذَا الْوَعِيدُ الَّذِي وَعَدَ اللَّهُ بِهِ فِي الرِّبَا مِنَ الْمُحَارَبَةِ، قَدْ وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ فِي الْمُخَابَرَةِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ رَجَاءٍ (?) قَالَ ابْنُ خَيْثَمٍ حَدَّثَنِي عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" مَنْ لَمْ يَذَرِ الْمُخَابَرَةَ فَلْيُؤْذِنْ بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ". وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ الْمُخَابَرَةِ وَهِيَ أَخْذُ الْأَرْضِ بِنِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ أَوْ رُبْعٍ، وَيُسَمَّى الْمُزَارَعَةَ. وَأَجْمَعَ أَصْحَابُ مَالِكٍ كُلُّهُمْ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَتْبَاعُهُمْ وَدَاوُدُ، عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الْأَرْضِ عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبْعِ، وَلَا عَلَى جُزْءٍ مِمَّا تُخْرِجُ، لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، إِلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَأَصْحَابَهُ وَأَبَا حَنِيفَةَ قَالُوا بِجَوَازِ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِالطَّعَامِ إِذَا كَانَ مَعْلُومًا، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السلام:" فأما شي مَعْلُومٌ مَضْمُونٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ" خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ، لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: كُنَّا نُحَاقِلُ بِالْأَرْضِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنُكْرِيهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ وَالطَّعَامِ الْمُسَمَّى، فَجَاءَنَا ذَاتَ يَوْمٍ رَجُلٌ مِنْ عُمُومَتِي فَقَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَمْرٍ كَانَ لَنَا نَافِعًا، وَطَوَاعِيَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَنْفَعُ لَنَا، نَهَانَا أَنْ نُحَاقِلَ بِالْأَرْضِ فَنَكْتَرِيهَا عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبْعِ وَالطَّعَامِ الْمُسَمَّى، وَأَمَرَ رَبَّ الْأَرْضِ أَنْ يَزْرَعَهَا أَوْ يُزَارِعَهَا (?). وَكَرِهَ كِرَاءَهَا وَمَا سِوَى ذَلِكَ. قَالُوا: