تفسير قوله تعالى: (يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم)

ثم بين تبارك وتعالى ما سيكون من توبيخ الكفار من الفريقين يوم القيامة إثر بيان توبيخ الجن بإغواء الإنس وإضلالهم؛ كما في الآية السابقة التي قال فيها تبارك وتعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام:128 - 129].

فبين عز وجل ما يكون من توبيخ الكفار يوم القيامة بعدما بين توبيخ الجن بإغواء الإنس وإضلالهم، وأعلم أنه لا يكون لهم إلى الجحود سبيل، فيشهدون على أنفسهم بالكفر، وأنهم لن يعذبوا إلا بالحجة، فقال تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ} [الأنعام:130].

قوله: (وينذرونكم) أي: يخوفونكم.

وقوله: (لقاء يومكم هذا) وهو يوم الحشر الذي عاينوا فيه الأهوال.

وقوله: (قالوا) الواو تعود إلى الجن والإنس.

وقوله: (شهدنا على أنفسنا) أي: أقررنا بإتيان الرسل وإنذارهم وبتكذيب دعوتهم، كما فصل في قوله تعالى: {قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ} [الملك:9]، فيقرون ويعترفون بأن الحجة قد قامت عليهم، وأن الله سبحانه وتعالى ما كان ليظلمهم، ولكن كانوا هم أنفسهم يظلمون، فيشهدون على أنفسهم، ويقرون بجريمتهم، وأن الرسل جاءتهم، وأقامت الحجج عليهم، ودعتهم إلى الحق، ولكنهم استكبروا واستنكفوا.

وقوله: (وغرتهم الحياة الدنيا) يعني: غرهم ما فيها من الزهرة والنعيم، وهو بيان لما أرداهم في الدنيا إلى الكفر، فالكافر يميل إلى الكفر؛ لأن الدنيا تجذبه إليها، وتشغله عن الآخرة.

وقوله: (وشهدوا على أنفسهم) أي: في ذلك الموقف في الآخرة.

وقوله: (أنهم كانوا كافرين) يعني: بعدما شهدت عليهم الجوارح؛ لأنهم في البداية ينكرون، وقد سبق في آيات أخرى في سورة الأنعام أنهم يقولون: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام:23] قال تعالى: {انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [الأنعام:24]، لأن الكافر يجد الهلاك محققاً في الآخرة، فيقول: أحاول أي محاولة لعلي أنجو.

فيقول لله سبحانه وتعالى: يا رب! إنك حرمت الظلم، وأنا لا أقبل علي شهيداً إلا من نفسي.

فتأتي الملائكة فتشهد عليه والكتاب مفصلة فيه أعماله فيقول: ما أجيز إلا شاهداً من نفسي.

فيختم الله سبحانه وتعالى على أفواههم وتنطق جوارحهم بما كانوا يكسبون.

وقوله: (وشهدوا على أنفسهم) يعني: في الآخرة بعدما شهدت عليهم الجوارح وقال الواحد منهم لجوارحه: سحقاً لكُنَّ؛ فعنكن كنت أناضل.

وقوله: (أنهم كانوا كافرين) يعني: في الدنيا بما جاءتهم به الرسل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015