قال تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام:109].
قوله: (وأقسموا بالله جهد أيمانهم) (جهد) مصدر وقع موقع الحال، أي: أقسموا بالله تعالى جاهدين في أيمانهم باذلين في توثيقها طاقتهم، يعني أنهم يقسمون ويجتهدون في توثيق اليمين المغلظة التي يحلفون.
وقوله: (لئن جاءتهم آية) يعني: خارقة، كالآيات التي يقترحونها.
وقوله: (قل إنما الآيات عند الله) أي: أمرها في حكمه وقضائه خاصة، يعني: إنما أنا عبد ورسول أبلغ ما أرسلت به؛ لأن التحكم في الآيات التي هي عبارة عن كشف لقدرة الله سبحانه وتعالى في المعجزات والخوارق ليس إلي، بل هذا إلى الله عز وجل يتصرف بها حسب مشيئته المبنية على الحكم البالغة، فلا تتعلق بها قدرة أحد ولا مشيئته، وليست في قدرة أحد ولا في مشيئته حتى يمكنه أن يتصدى لاستنزالها للاستدعاء, وهذا سد لباب الاقتراح على أبلغ وجه وأحسنه لبيان صعوبة منالها وعلو شأنها.
فاقتراح الآيات أمر ليس بالسهل، وليس أمراً موكولاً إليّ ولا إليكم، إنما هو مفوض إلى الله سبحانه وتعالى.
فهذا من أعظم الردود في سد باب الاقتراحات على الله سبحانه وتعالى أن ينزل كذا، وقولهم: لو أن الله فعل كذا وكذا لنؤمنن به.
وغير ذلك مما جاءت به كثير من الآيات.
ثم قال تبارك وتعالى: (وما يشعركم) يعني: أيها المؤمنون! والخطاب للمؤمنين لأن المؤمنين كانوا يتمنون مجيء الآية طمعاً في إيمانهم، فالمؤمنون كانوا يسمعون المشركين يقترحون الآيات على الرسول عليه الصلاة والسلام، فكانت قلوبهم تتطلع إلى أن يجيبه الله تعالى بهذه الآيات التي يقترحونها طمعاً في إيمان هؤلاء المشركين.
فالله سبحانه وتعالى يخاطب المؤمنين ويقول لهم: (وما يشعركم) أيها المؤمنون (أنها إذا جاءت لا يؤمنون).
وقيل: الخطاب للمشركين، والمعنى: وما يشعركم -أيها المشركون! - أنها إذا جاءت لا تؤمنون.
لأنه جاء في قراءة أخرى: (لا تؤمنون) وإذا قلنا: وما يشعركم -أيها المشركون- أنها إذا جاءت لا يؤمنون سيكون فيها التفات، فقوله: (وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون) هذا الخطاب متعلق بالمشركين، والخطاب -أيضاً- متعلق بالمشركين في قوله (يشعركم) لكن فيه التفات، ومما يؤيد هذا قراءة (لا تؤمنون).