قال تبارك وتعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة:47] يقول القاضي: محمد بن كنعان في قرة العينين: قوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [البقرة:40] قد قصت الآيات من الآية: (40) إلى الآية: (123) من سورة البقرة أخبار بني إسرائيل، واليهود منهم خاصة مع موسى عليه السلام، وطرفاً من أخبار النصارى، فالتبس على بعض الناس ما فيها من ثناء على بني إسرائيل، وما في آيات أخرى من ذم اليهود ولعنهم، وسبب ذلك عدم التفريق بين بني إسرائيل واليهود، والظن بأنهما شيء واحد، وهذا خطأ واضح؛ لأن القرآن الكريم فرق بينهما، فإذا جمعنا الآيات التي تذكر بني إسرائيل في مقابلة الآيات التي نزلت في اليهود، نرى أن إسرائيل هو لقب نبي الله يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام، وأن بني إسرائيل هم أولاده، يوسف وإخوته وذرياتهم، يعني: يوسف عليه السلام لما انتقل إلى مصر، وكان له مكان من المجد والوزارة والجاه العظيم، واستجلب إخوته ووالديه إلى مصر، كثروا كثرة عظيمة، فهؤلاء هم بنو إسرائيل، يعني: يوسف وإخوته وذرياتهم، قال تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ} [آل عمران:93]، فإسرائيل وبنوه كانوا مسلمين، فعندما يذكر الله تبارك وتعالى بني إسرائيل بخبر فالمقصود أولاد يعقوب، الصالحين والطالحين من ذريتهم لا اليهود، أما اليهود فهم الذين عبدوا عجل السامري ثم تابوا، واسمهم مشتق من هادَ بمعنى: تاب ورجع، ولكن توبتهم لم تكن صادقة، قال الله حاكياً عن موسى: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} [الأعراف:156] يعني: رجعنا وتبنا إليك، ويقول تعالى في أمرهم: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} [البقرة:93]، وهم فئة من بني إسرائيل، وليسوا كل بني إسرائيل، فليس كل إسرائيليٍّ يهودياً، كما أنه ليس كل يهودي إسرائيلياً.
يقول تعالى: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) يعني: بالشكر عليها بطاعتي ((وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ)) يعني: فضلت آباءكم؛ لأن تفضيل الآباء شرف للأبناء، قال ذلك مع أنه يخاطب اليهود وبني إسرائيل الذين كانوا موجودين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (عَلَى الْعَالَمِينَ)، هذا عام يراد به الخاص، أي: على عالَمِي زمانهم، واليهود كثيراً ما يتشدقون بهذه الآيات في المحافل الدولية، حتى كانوا في الأمم المتحدة من قبل يأتون بنصوص من القرآن لتثبت أحقيتهم بفلسطين، وبأن القرآن يمدحهم؛ ولذلك كان بعض العلماء لما كان يتناظر مع أحد اليهود وأراد أن يلزم العالم المسلم بقوله: أنا أقر بنبوة موسى، وأنت توافقني عليها، وفي نفس الوقت لا أقر بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام، فيلزمك أن توافقني أنا ولا أوافقك أنت! فأجابه العالم: إن كان موسى الذي بشر بمحمد فهذا الذي أوافقك على نبوته، وإن كان موسى الذي ما بشر به فهذا لا أقر بنبوته.
فالشاهد: أن هذه الآيات فيها امتنان على بني إسرائيل، على عالمي زمانهم، وليس على الإطلاق، فهذا عام أريد به الخاص؛ لأن الله سبحانه وتعالى فضلهم بأن أنزل عليهم الكتب وجعل فيهم أنبياء، وجعلهم ملوكاً.