ذكر الإمام القاسمي رحمه الله تعالى في مقدمة السورة أنها مكية، وأنها مائة وخمس وستون آية، وبعض العلماء -كما ذكرنا- يقول: إنها مائة وخمس -أو ست- وستون آية، والآيات هي نفس الآيات، ولكن الاختلاف أحياناً يكون في العد.
قال القاسمي: روى العوفي وعكرمة وعطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أنزلت سورة الأنعام بمكة)، وروى أبو صالح عن ابن عباس قال: (هي مكية، نزلت جملة واحدة، نزلت ليلاً، وكتبوها من ليلتهم غير ست آيات منها فإنها مدنية).
فهذه السورة لها خصائص ليست لغيرها، منها: أنها بكمالها نزلت جملة واحدة، ونزلت ليلاً، وبمجرد أن نزلت بالليل كتبها الصحابة رضي الله تعالى عنهم، إلا ست آيات منها نزلت في المدينة، وهي قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} [الأنعام:151]، إلى آخر الثلاث الآيات، وقوله عز وجل: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام:91] وقوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً} [الأنعام:21] إلى آخر الآيتين.
ومن خصائص هذه السورة ما أخرجه الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (نزلت سورة الأنعام بمكة ليلاً جملة واحدة، حولها سبعون ألف ملك يجأرون بالتسبيح).
وروى السدي عن ابن مسعود قال: (نزلت سورة الأنعام يشيعها سبعون ألفاً من الملائكة).
وعن جابر رضي الله عنه قال: (لما نزلت سورة الأنعام سبَّح رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: لقد شيع هذه السورة من الملائكة ما سد الأفق) وهذا رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم.
وأخرج ابن مردويه عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نزلت سورة الأنعام معها موكب من الملائكة سدَّ ما بين الخافقين، لهم زجل بالتسبيح، والأرض بهم ترتج، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سبحان الله العظيم، سبحان الله العظيم).
وأخرج -أيضاً- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نزلت عليَّ سورة الأنعام جملة واحدة، وشيعها سبعون ألفاً من الملائكة، لهم زجل بالتسبيح والتحميد).
قال الرازي: قال الأصوليون: هذه السورة اختصت بنوعين من الفضائل: أحدهما: أنها نزلت دفعة واحدة.
فهذه السورة نزلت -كما ذكرنا- جملة واحدة، ولم تنجم، ولم تقطع كغيرها من سور القرآن الكريم.
الثاني: أنها شيعها سبعون ألفاً من الملائكة، والسبب فيه أنها -أي: هذه السورة العظيمة- مشتملة على دلائل التوحيد والعدل والنبوة والمعاد، وإبطال مذهب المبطلين والملحدين، وذلك يدل على أن علم الأصول في غاية الجلالة والرفعة، وعلم الأصول المقصود به هنا أصل العقيدة والتوحيد وأمور الإيمان.
وإنزال ما يدل على الأحكام قد تكون المصلحة أن ينزله الله تعالى على قدر حاجة المكلفين وبحسب الحوادث والنوازل، وآيات الأحكام منها ما له أسباب نزول معينة، وكل هذا يكون متوافقاً مع حكمة الله سبحانه وتعالى في التدرج في التشريع بقدر حاجة الناس أو بحسب الحوادث والنوازل التي تنزل بهم.
أما ما يدل على علم الأصول مما في هذه السورة الكريمة فقد أنزله الله جملة واحدة، وذلك يدل على أن تعلُّم علم الأصول واجب على الفور لا على التراخي؛ لأنه لم ينجَّم ولم يقطَّع.
وأخرج الدارمي في مسنده عن عمر رضي الله عنه قال: (الأنعام من نواجب -أو نجائب- القرآن) يعني: أفضله ومحضه ولبابه.