ولا يستدل بالآية على سقوط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن الظاهر من الآية أن ضلال الغير لا يضر، وأن المطيع لربه لا يكون مؤاخذاً بذنوب العاصي، وإلا فمن تركهما مع القدرة عليهما فليس بمهتد، وإنما هو بعض الضلال الذي فصلت الآية بينهم وبينه.
وبعض الناس قد يستدل بالآية على إبطال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أخذاً بظاهرها، فيقول في هذه الآية: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) إذا رأيت من قد ضل عن طريق الله يرتكب المعاصي أو البدع أو المخالفات فهذا لن يضرك وأنت على دينك.
وهذا في الحقيقة ليس على إطلاقه، ولا يصح فهم الآية بهذه الطريقة.
ولماذا نقول: إن هذا التفسير لا يصح؟ لأن الإنسان إذا كان قادراً على تغيير المنكر بأي درجة من درجات الإنكار ثم قصر في إنكاره فإن ضلال غيره يضره في حالة القدرة على إزالة المنكر؛ لأن لله حقاً عليك في إنكار هذا المنكر.
والحقيقة أن ضلال الغير يضر القادر على تغيير ضلاله أو منكره، ولذلك يجب أن نحسن فهم الآية (عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم)، فلا ينبغي أبداً ولا يصح إنزالها على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند القدرة على إنكار هذا المنكر؛ لأن المطيع يؤاخذ بذنب العاصي ويضره ضلاله إذا قدر على تغيير المنكر ولم يغيره.
وليس هذا فحسب، بل هذه الآية نفسها يستدل بها على التكليف بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) فمن قدر على إنكار المنكر ولم ينكره فهو من الضالين الذين يحذرنا الله أن نسلك مسلكهم، فكأن الآية ترشدنا إلى أن ننكر المنكر على أهله ما دمنا قادرين على ذلك، ولا يضرنا من ضل بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو قادر إذا اهتدينا نحن بفعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشروط، فالالتزام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من جملة الاهتداء إذا اهتدينا، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع القدرة هو من جملة الضلال الذي أمرنا ألا نتبع من يقع فيه.