نقل في معنى هذه الآية حكمٌ ونوادر بديعة، قال الشعبي: يعجبني الرجل إذا سيم هوناً دعته الأنفة إلى المكافأة، يعني: أن المسلم يكون عزيز النفس، له أن يعفو ويصفح، لكن الصفح والعفو والحلم يكون في مقامه، أما معاملة المؤمن على أنه مغفل أو غير ذلك فهذا لا يمدح فيه العبد.
ومعنى كلام الشعبي: يعجبني الرجل إذا سيم هوناً، أي: إذا ساوموه على أن يعطي الدنية والهوان والمذلة، دعته الأنفة والعزة إلى المكافأة، أي: في هذه الحالة يكافئ ويعاقب.
يقول عز وجل: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى:40]، فبلغ كلام الشعبي الحجاج، فقال: لله دره أي رجل بين جنبيه، فتمثل: ولا خير في عرض امرئٍ لا يصونه ولا خير في حلم امرئٍ ذل جانبه أي: الذي يتحلم وهو في حالة المذلة، ولكن الحلم يكون قيمته في حالة العزة والقدرة على الانتقام، فهذا هو الذي يحلم.
وقال أعرابي لـ ابن عباس رضي الله عنهما: (أتخاف عليّ جناحاً إن ظلمني رجل فظلمته؟ فقال له: العفو أقرب للتقوى، فقال: {وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى:41]).
وقال المتنبي: من الحلم أن تستعمل الجهل دونه إذا اتسعت في الحلم طرق المظالم أي: إذا كان الحلم يشينك بمزيد من المذلة والهوان، ويفتح السبيل لمزيد من الظلم، فالحلم هنا لا يمدح ولا يقصد، بل إنه من الحلم أن تستعمل الجهل دونه وأن تسلك سبيل الجهل في مثل هذه الحالة، والجهل هنا بمعنى: الجهل العملي، والمقصود به: الانتقام والقصاص وأخذ الحق.
هذا معنى كلام المتنبي ثم يقول البرقوقي شارح ديوان المتنبي: الحلم هو الأناة والعقل، والجهل هنا: نقيض الحلم، والمظالم: جمع مظلمة، وهي الظلم، يقول: إذا كان حلمك داعياً إلى ظلمك، فإن من الحلم أن تجهل؛ لأن الحلم إنما يلجأ إليه بتدارك الشر، فإذا تفاقم الشر ولم يتدارك الشر إلا بالجهل كان الجهل حلماً.
فلا خير في حلم إذا لم يكن له زواجر تحمي صفوه أن يكدرا