سبب نزول قوله تعالى: (فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم)

يوضح ذلك ما رواه الشيخان وغيرهما عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد فرجع ناس قد خرجوا معه في الجيش، وثبطوا الناس عن القتال، فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين؛ فرقة تقول: نقتلهم، وفرقة تقول: لا، هم مؤمنون -يعني: باعتبار ما كانوا يظهرون- فأنزل الله تعالى: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} [النساء:88] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها طيبة -يعني: المدينة- وإنها تنفي الخبث كما ينفي الكير خبث الحديد) يعني: المدينة تطرد المنافقين منها وتتخلص منهم.

وذكر الإمام محمد بن إسحاق في وقعة أحد: أن عبد الله بن أبي ابن سلول رجع يومئذٍ بثلث الجيش -وهم ثلاثمائة- وبقي النبي صلى الله عليه وسلم في سبعمائة.

وثمة رواية أخرى في سبب نزول هذه الآية، فقد روى الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن عوف: (أن قوماً من العرب أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فأسلموا وأصابهم وباء المدينة وحماها، فأركسوا فخرجوا من المدينة فاستقبلهم نفر من أصحابه -يعني: النبي صلى الله عليه وسلم- فقالوا لهم: ما لكم رجعتم؟ قالوا: أصابنا وباء المدينة، فقالوا: أما لكم في رسول الله أسوة حسنة، فقال بعضهم: نافقوا، وقال بعضهم: لم ينافقوا، فأنزل الله تعالى: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ} [النساء:88]) أي: نكسهم وردهم إلى الكفر.

(بما كسبوا) يعني: بسبب ما كسبوا من لحاقهم بالكفار، وابتعادهم عن المؤمنين.

(أتريدون أن تهدوا من أضل الله) تهدوا هنا بمعنى: أن تصفوا بالهداية من أضل الله، وأن تعدوا هؤلاء الضلال من جملة المهتدين.

فهنا توبيخ على هذا الفعل من المؤمنين الذين لم يعدوا هؤلاء منافقين ويبرءوا منهم، وإشعار بأن هذا الأمر منهم يؤدي إلى أن يعدوا هؤلاء المنافقين من جملة المهتدين وهو من المحال؛ لأن هداية من أضله الله تعالى من المستحيل، فإنه من يضلل الله فلا هادي له، لذلك يقول الله لهم: (أتريدون أن تهدوا من أضل الله).

(ومن يضلل الله) يعني: عن دينه.

(فلن تجد له سبيلاً) أي: طريقاً إلى الهدى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015