تفسير قوله تعالى: (وإن منكم لمن ليبطئن)

يقول تبارك وتعالى: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا} [النساء:72].

(وإن منكم لمن ليبطئن) اللام الأولى في قوله: (لمن) هذه لام توكيد، (ليبطئن) لام القسم يعني: يتثاقلون ويتخلفون عن الجهاد والخروج مع الجماعة للنفاق.

فالمقصود أن منكم ممن ينتمون لكم في الظاهر وليس هم من المؤمنين، لكنهم يدخلون في جملة المؤمنين بحكم الظاهر؛ لأنهم منافقون يحتمون بكلمة التوحيد وإظهار أنهم من المسلمين.

(ليبطئن) يعني: يتثاقل أو يتخلف عن الخروج إلى الجهاد، أو يبطئ غيره ويشيع فيهم ما يثبطهم عن الخروج إلى الجهاد، كما كان المنافقون يثبطون غيرهم.

وكان هذا ديدن المنافق عبد الله بن أبي وهو الذي ثبط الناس يوم أحد، وروي عن كثير من التابعين أن الآية نزلت في المنافقين؛ لأن الذي حكي في هذه الآية هو عادة ودأب المنافقين، وقيل: الخطاب للمؤمنين وقوفاً مع صدر الآية التي قبل هذه حيث تقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا * وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ} [النساء:71 - 72].

الله سبحانه وتعالى قال في المنافقين: {وَمَا هُمْ مِنْكُمْ} [التوبة:56].

وقوله: (وإن منكم) هذا في الحقيقة خطاب صريح للمؤمنين ولمن يدخل معهم في الظاهر بصفة الإيمان وهم المنافقون؛ لأن ما ذكر لا يصدر عن مؤمن (وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله عليّ إذ لم أكن معهم شهيداً) يعني: حاضراً.

(منكم) يعني: إن من دخلائكم وجيشكم وممن أظهر إيمانه منكم.

فالمنافقون في ظاهر الحال من أعداد المسلمين وتجري أحكام المسلمين عليهم.

والجمع بينهم في الخطاب من جهة الجنس والنسب لا من جهة الإيمان، (وإن منكم) يعني: ممن هم في الظاهر من جنسكم، لكن هم في الحقيقة بخلاف ذلك، ولو أصابتكم هزيمة أو شهادة أو تغلب العدو عليكم لما لله في ذلك من الحكمة قال هذا المبطئ فرحاً بصنيعه: (قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيداً).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015