يقول تبارك وتعالى: {ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا} [النساء:70] (ذلك) مبتدأ، وهي بمعنى: هذا الذي تقدم، والخبر الفضل من الله، أو (الفضل) تكون بدلاً (من الله) تكون خبراً، يعني: في هذا إشارة إلى ما للمطيعين من الأجر ومزيد الهداية ومرافقة المنعم عليهم.
(الفضل من الله) يعني: ليس من غير الله إنما هو من الله سبحانه وتعالى.
إذاً هنا معنى مهم جداً يقول الناصر: معتقدنا معاشر أهل السنة أن الطاعات والأعمال التي يتميز بها هؤلاء الخواص خلق الله تعالى وفعله، وأن قدرتهم لا تأثير لها في أعمالهم بل الله عز وجل يخلق على أيديهم الطاعات ويثيبهم عليها.
فالطاعة إذاً من فضله سبحانه فله الفضل على كل حال، والمنة في الفاتحة والمآل، وكفى بقول سيد البشر في ذلك حجة وقدوة فقد قال عليه أفضل الصلاة والسلام: (لا يدخل أحد منكم الجنة بعمله، قيل: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل منه ورحمة) {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس:58] اللهم! اختم لنا باقتفاء السنة، وأدخلنا بفضلك المحض الجنة.
إذاً: فهذه إشارة إلى أن ما نالوه من النعيم المذكور في الآية السابقة ليس بكسبهم، وإنما هو محض فضل من الله عز وجل، فأخبر أنهم لن ينالوا هذه الدرجة العالية بطاعتهم، بل نالوها بفضل الله تعالى وكرمه، خلافاً لما قالت المعتزلة: إنما ينال العبد ذلك بفعله.
فلما امتن الله سبحانه على أوليائه بما آتاهم من فضله، وكان لا يجوز لأحد أن يثني على نفسه بما لم يفعله، دل ذلك على بطلان قول المعتزلة والله تعالى أعلم.
يقول السيوطي رحمه الله تعالى: قوله: (ومن يطع الله والرسول) أي: فيما أمر به (فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين) وهم أفاضل أصحاب الأنبياء، وسموا صديقين لمبالغتهم في الصدق والتصديق، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً).
و (الشهداء) أي: القتلى في سبيل الله، ولا يعد الإنسان مقاتلاً في سبيل الله إلا إذا قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، وما هي كلمة الله، هي: لا إله إلا الله، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما كلمة الكافرين فهي كفرهم بالله تبارك وتعالى.
(والصالحين) غير من ذكر.
(وحسن أولئك رفيقاً) أي: رفقاء في الجنة بأن يستمتع فيها برؤيتهم وزيارتهم والحضور معهم، وإن كان مقرهم في الدرجات العالية بالنسبة إلى غيرهم.
(ذلك) أي: كونهم مع من ذُكِرَ مبتدأ خبره: (الفضل من الله) تفضل به عليهم لا أنهم نالوه بطاعتهم.
(وكفى بالله عليماً) بثواب الآخرة، فثقوا بما أخبركم به {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر:14].