هذه الآية: ((وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)) فيها وجوه: الوجه الأول: أن المراد باليتامى: الكبار الذين ألفي منهم رشداً، هذه إحدى الصور التي يطلق عليها المجاز الذي هو باعتبار ما كان من قبل.
إذا قلنا: إن اليتيم بالمعنى الشرعي هو: الذي مات أبوه ولم يبلغ الحلم؛ إذا بلغ الحلم يزول عنه وصف اليتم، فبناءً على هذا المذهب، فإن المقصود باليتامى هم الكبار؛ لأن الأموال تؤتى لليتامى إذا كبروا وبلغوا سن الرشد، ويكون البلوغ والرشد معاً.
عبر هنا باليتامى باعتبار الصفة التي كانت من قبل، مع أنهم الآن ليسوا يتامى، وهذا مثل قوله تبارك وتعالى: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ} [الشعراء:46].
والمقصود: الذين كانوا سحرة منذُ وقت قريب؛ لأنه لا سحر مع السجود لله، فهم قد تابوا من السحر {وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ} [طه:73] هذا باعتبار ما كان.
فالإشارة هنا بقوله: (وآتوا اليتامى) إلى وجوب المسارعة إلى دفع أموالهم متى بلغوا وآنستم منهم رشداً.
إذاً: الله سبحانه عبر عنهم بوصف اليتامى مع أنه قد زال عنهم هذا الوصف، فآثر هذا التعبير باعتبار أن العهد باليتم كان قريباً جداً.
الوجه الثاني: ((وَآتُوا الْيَتَامَى)) أن المراد بهم: الكبار حقيقة، فتكون واردة على أصل اللغة، بمعنى أن اليتيم في اللغة: من مات أبوه وانفرد عنه، بغض النظر صغيراً كان أم كبيراً، وهذا الوجه مبني على أصل اللغة.
الوجه الثالث: ((وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ)) المقصود بهم: اليتامى الصغار، والمراد بالإيتاء هو ما يدفعه الأولياء والأوصياء إليهم من النفقة والكسوة زمن الوصاية عليهم، وليس المقصود دفع المال كله إليهم، وهذا الوجه في التفسير بعيد.
الوجه الرابع: (وآتوا اليتامى أموالهم) المقصود بهم اليتامى الصغار، والمعنى أن ينفقوا عليهم وألا يطمع في الأموال الأولياء والأوصياء، وأن يكفوا عنها أيديهم الخاطفة حتى إذا ما بلغوا ورشدوا تؤتى إليهم أموالهم كاملة غير منقوصة، هذا هو الوجه الرابع.