يقول تبارك وتعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:169 - 171].
قوله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} [آل عمران:169].
إذا رجعنا إلى سياق الآيات السابقة يقول عز وجل: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ} [آل عمران:167]، إلى قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران:168].
فنلاحظ أن الله تبارك وتعالى بين في هذه الآيات أن القتل الذي يحذرونه ويحذرون الناس منه ليس مما يحذر، كما ذكر أيضاً عن المنافقين في سورة النساء أنهم إذا غنم المسلمون وظفروا قال أحدهم: {يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا} [النساء:73]، هذا في حالة الغنيمة، أما إذا وقع البلاء وسقط الشهداء فيقول: {قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا} [النساء:72] أي: حاضراً، ليس الشهيد المذكور هنا في الآية هو الذي يقتل في سبيل الله، بل المقصود بالشهيد: هو الذي حضر المعركة، والمنافق يحمد الله أنه لم يكن حاضراً ساعة الجهاد والقتال.
فلذلك هنا يبين الله تبارك وتعالى لهم أن القتل الذي يحذرونه ويحذرون الناس منه ليس مما يحذر، بل إن كان في سبيل الله فهو من أجلَّ المطالب التي يتنافس فيها المتنافسون.
إن الحذر من القتل لا يجدي ولا يغني كما قال عز وجل: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران:154] أي: لا تحسبنهم أمواتاً تعطلت أرواحهم.