تفسير قوله تعالى: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم)

{فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران:61].

((فمن حاجك)) أي: فمن جادلك من النصارى في عيسى.

((مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ)) أي: من العلم بشأنه وبأمره.

((فَقُلْ تَعَالَوْا)) أي: فقل لهم تعالوا، والمقصود من هذا أن الله سبحانه وتعالى بعدما أقام عليهم الحجج على بطلان ما هم عليه من الارتياب في شأن المسيح عليه السلام، يأمر الله تعالى نبيه أن يقول لهم: لم يبق من تفسير لما أنتم عليه من الإصرار على الكفر إلا أنكم معاندون وجاحدون؛ لأنكم إذا كنتم جهلة فقد كان ما أقمته عليكم من الحجج يستوجب زوال وصف الجهل عنكم، أما وقد أقيمت عليكم الحجج الواضحة وما استطعتم لها رداً ولا دفعاً، فلم يبق منكم إلا العناد، فلا سبيل لرفع هذا العناد إلا بالمباهلة.

أي: فقل لهم: أيها المجادلون ((تعالوا)) أنا ادعوكم إلى الفيصل بيني وبينكم الذي يكشف من منا صاحب الحق ومن منا على باطل.

((فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ)) هذا الاختيار اختيار دقيق، حيث اختار أعز أهله وألصقهم بقلبه، فهم الذين يخاطر الرجل بنفسه من أجلهم، ويحارب دونهم، فيأتي بهؤلاء ويباهل.

((ثم نبتهل)) أي: نتضرع ونجتهد في الدعاء.

الابتهال يشمل الاجتهاد في الدعاء سواء كان باللعنة أو بغيرها، والمقصود بالابتهال هنا أن نلعن من يكون على باطل، كما قال: ((فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ)) أي: طرده وإبعاده من رحمته.

((عَلَى الْكَاذِبِينَ)) أي: منا ومنكم، ليهلكهم الله وينجي الصادقين، فلا يبقي بعد أن أقمنا عليكم دلائل العقل ودلائل النقل إلا المباهلة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015