قال تبارك وتعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة:11]، هذه بداية نهيهم عن المنكر، ثم ثنى بعد ذلك بأمرهم بالمعروف؛ كي تتم النصيحة، ففي هذه الآية قال: ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ)) فهذا نهي عن المنكر، وفي الآية الثانية قال: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ} [البقرة:13] وهذا أمر بالمعروف.
وهنا شَرَعَ تبارك وتعالى في تعديد بعض مساوئهم المتفرعة والنابعة عن نفاقهم وكفرهم، فقال: ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ)) والفساد في الأرض مثل: تهييج الحروب وإثارة الفتن، كما قال عز وجل: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة:205] ومعنى إفساد المنافقين في الأرض: أنهم يمالئون الكفار على المسلمين، ويفشون أسرار المسلمين للكفار، ويغرون الكفار بقتال المسلمين، ويجرئونهم على نصب الحرب للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين؛ لطمعهم في الغلبة عليهم.
قوله: ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ)) يعني: بما تفعلونه من تهييج الحروب وتأليب الكافرين على المؤمنين.
((قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ)) يعني: هم تصوروا إفسادهم في صورة الإصلاح؛ لأن في قلوبهم مرضاً.
وإذا مرض قلب الإنسان تنقلب عنده القيم وتنعكس عنده الموازيين، مثل المنافقين رأوا فسادهم إصلاحاً، وزين لهم هذا الإفساد فحسبوه إصلاحاً، ((قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ)) كقوله تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} [فاطر:8] فهذا تزيين، وكما قال تبارك وتعالى: {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف:104].
قال بعض المفسرين: قوله: ((إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ)) يعني: بين المؤمنين وأهل الكتاب، وقوله تعالى عنهم: {إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} [النساء:62] أي: نحن مصلحون بين المؤمنين وبين أهل الكتاب، فنحن نداري الفريقين ونريد الإصلاح بينهما.