قال الله تعالى: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} [البقرة:263].
(قول معروف)، كلمة طيبة ودعاء للسائل، وكلام حسن، ورد على السائل جميل.
(ومغفرة) عن ظلمه القولي أو الفعلي، إذ ممكن أن السائل يسيء أحياناً في سؤاله ويلح، أو يضايقك بطريقة فيها نوع من الأذية، وهنا حث على أن تغفر له هذا الإلحاح؛ فإنك تثاب على ذلك، وقد أرشد الله تبارك وتعالى إلى هذا الأدب في قوله: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} [الضحى:10].
والمغفرة أن تسامحه وتعفو عنه في إلحاحه إذا فعل، أو إذا ظلمك بظلم قولي أو فعلي، (ومغفرة) ربما إذا لم تعطه يسيء إليك بكلام أو بفعل، فأنت أيضاً هنا إذا فتح الله عليك واستحضرت هذه الآية واعتبرت بها، فتحتسب الأجر بالصبر عليه، وأن تغفر له وتسامحه في هذه الإساءة.
((خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى)) لماذا؟ لأن الصدقة التي يتبعها (منّ وأذى) ماذا يترتب عليها؟ لا يحصل بها ثواب الصدقة؛ ثم يحصل إثم الأذى، شخص تصدق يريد وجه الله سبحانه وتعالى، ويريد الثواب الذي يضاعفه الله من الواحد إلى السبعمائة ضعف، فهو يتصدق لأجل الله، ثم بعد ذلك منّ أو آذى الذي أحسن إليه، فعادت صدقته عليه وبالاً وشؤماً عليه؛ لأنه أولاً: أحبط ثواب صدقته، وأوقع نفسه فيما لا طائل من ورائه، وثانياً: حصل إثم الأذى؛ لأنه سيعاقب على هذا الأذى؛ فلذلك يقول تعالى: ((قَوْلٌ مَعْرُوفٌ)) كلمة طيبة (ومغفرة خير) من مثل هذه الصدقة، لماذا خير؟ لأنه سيحبط ثواب الصدقة أولاً، ثم يحصل إثم الأذى.
((وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى)) بالمنّ والتعيير له بالسؤال، إذا كان الشخص ممن يحل له السؤال، ((وَاللَّهُ غَنِيٌّ)) عن صدقة العباد، ((حَلِيمٌ)) بتأخير العقوبة عن المانّ والمؤذي.