سورة الإخلاص هي السورة الثانية عشرة بعد المائة من القرآن الكريم وهذه السورة مكية، وآياتها أربع.
روى الإمام أحمد بسنده عن أبي بن كعب رضي الله عنه: (أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد! انسب لنا ربك، أي: اذكر نسب ربك، فأنزل الله تعالى هذه السورة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4]).
وروى البخاري بسنده عن عمرة بنت عبد الرحمن -وكانت في حجر عائشة زوج النبي صلى الله عليه وآله سلم- عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية، فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟ فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أخبروه بأن الله تعالى يحبه)؛ أي: لأنه أحب صفة الله تبارك وتعالى.
وفي بعض الروايات عند البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء، فكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} حتى يفرغ منها، ثم يقرأ سورة أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة، فكلمه أصحابه فقالوا: إنك تفتتح بهذه السورة، ثم لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأ بالأخرى، فإما أن تقرأ بها، وإما أن تدعها وتقرأ بأخرى، فقال: ما أنا بتاركها، إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت، وإن كرهتم تركتكم، وكانوا يرون أنه من أفضلهم، فكرهوا أن يؤمهم غيره، فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر، فقال: (يا فلان! ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك؟ وما حملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة؟ فقال: إني أحبها، قال: حبك إياها أدخلك الجنة).
وثبت أيضاً أن هذه السورة تعدل ثلث القرآن، فروى البخاري بسنده عن أبي سعيد رضي الله عنه: أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يرددها، فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، وكأن الرجل يتقالها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده! إنها لتعدل ثلث القرآن).
وروى البخاري بسنده عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟! فشق ذلك عليهم وقالوا: أينا يطيق ذلك يا رسول الله؟ فقال: الله الواحد الصمد ثلث القرآن) يعني: سورة قل هو الله أحد.
وروى الإمام الترمذي بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احشدوا -يعني: اجتمعوا وأحضروا الناس- فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن، فحُشد من حُشد، ثم خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم فقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثم دخل، فقال بعضنا لبعض: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن، إني لأرى هذا خبراً جاء من السماء -يعني: جاءه خبر من السماء يأمره بأن ينصرف ولم يشرع في قراءة ثلث القرآن ثم خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني قلت: سأقرأ عليكم ثلث القرآن، ألا وإنها تعدل ثلث القرآن).
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب، ورواه مسلم في صحيحه.
وقال صلى الله عليه وسلم: (أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟ فإنه من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص:1 - 2] في ليلة فقد قرأ ليلتئذٍ ثلث القرآن).
ومما صح أيضاً في فضيلة هذه السورة العظيمة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ قل هو الله أحد عشر مرات حتى يختمها بنى الله له قصراً في الجنة، فقال عمر: إذاً نستكثر يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكثر وأطيب).
قوله: (إذاً نستكثر) يعني: إذاً نقرؤها كثيراً.
قوله: (الله أكثر وأطيب) أي: الله أكثر أجراً وثواباً من عملكم.
وعن بريدة: (أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا رجل يصلي ويدعو، يقول: اللهم! إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، فسمعه الرسول عليه الصلاة والسلام فقال: والذي نفسي بيده! لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سُئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب).
ومن الأحاديث الواردة في فضيلة هذه السورة العظيمة أيضاً ما رواه الإمام أحمد بسنده عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: (لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتدأته فأخذت بيده، فقلت: يا رسول الله! بم نجاة المؤمن؟ قال: يا عقبة! أخرس لسانك -أي: تصرف كأنك أخرس، أي: أمسك عليك لسانك، وجاء في بعض الروايات الأخرى: أملك عليك لسانك، أمسك عليك لسانك-، وليسعك بيتك، وابكِ على خطيئتك).
وهكذا سلوك المؤمن في الفتن أن يكف لسانه ولا يخوض؛ لأن اللسان إذا أطلق فهو سبع عقور، يقطع في أعراض الناس، ويجني ويحصد صاحبه بهذه العضلة القصيرة الآثام والكبائر والذنوب، فتهلكه.
قوله: (أمسك عليك لسانك) أي: أغلق هذا الباب من الشر.
(قال عقبة: ثم لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فابتدأني فأخذ بيدي، فقال: يا عقبة بن عامر! ألا أعلمك خير ثلاث سور أنزلت في التوراة والإنجيل والزبور والقرآن العظيم؟ قال: قلت: بلى، جعلني الله فداك، قال: فأقرأني: قل هو الله أحد، وقول أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، ثم قال: يا عقبة! لا تنسهن، ولا تبت ليلة حتى تقرأهن إلى آخر الحديث).
وأيضاً ثبت الاستشفاء بهذه السورة العظيمة، فقد روى البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما -أي: ينفخ بريق لطيف، فهذه رقية يومية كان الرسول عليه السلام يرقي بها نفسه قبل أن ينام-، فقرأ فيهما: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات).
وقوله هنا في هذا الحديث: (ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما) ليس على ظاهره وإنما المقصود: أنه قرأ أولاً، ثم نفث بعد القراءة؛ حتى تحصل بركة تلاوة القرآن في كفيه.
قوله: (نفث فيهما) أي: بعد القراءة، فينبغي أن يحمل الحديث على هذا، فإذا أراد الإنسان أن ينام فإنه يجمع كفيه، ثم يقرأ المعوذات الثلاث، وإذا قيل: المعوذات فالمراد بها: قل هو الله أحد، والفلق، والناس، المعوذات بالجمع.
قوله: (يجمع كفيه ثم ينفث فيهما) أي: بعد أن يقرأ.
قوله: (ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده)، فيبدأ أولاً برأسه ووجهه، ثم ما أقبل من جسده، ثم ما استطاعت يده أن تصل إليه من جسده، فيرقي نفسه بهذه السور الثلاث.