يقول الله عز وجل: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة:1]، قال الإمام أبو حيان: هذه السورة مكية، لما قال فيما قبلها: {إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:2]؛ بين حال الخاسر فقال: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}.
ونزلت في الأخنس بن شريق، لكن الحافظ ابن حجر صحح في الإصابة أنه أسلم، وكان من المؤلفة قلوبهم، فإذاً: إن صح هذا فلا يتأتى هذا الوعيد في حقه، فإما ألا يصح ذلك، أو لا يصح إسلامه.
وقيل: إنها نزلت في: العاص بن وائل السهمي، أو جميل بن عامر الجمحي، أو الوليد بن المغيرة، أو أمية بن خلف، أو أبي بن خلف.
وهذه كلها أقوال ذكرها المفسرون في الشخص الذي نزلت فيه هذه السورة، ويمكن أن تكون نزلت في الجميع، وهي مع ذلك عامة في من اتصف بهذه الأوصاف، وقال السهيلي: هو أمية بن خلف الجمحي كان يهمز النبي صلى الله عليه وسلم ويعيبه، وإنما ما ذكرته -إن كان اللفظ عاماً-؛ لأن الله سبحانه وتعالى تابع في أوصافه، أي: أن بعض العلماء يرى أنها نزلت في شخص بعينه؛ لأن الله تابع في ذكر أوصاف هذا الشخص والخبر عنه: (ويل لكل همزة لمزة * الذي جمع مالاً وعدده) فكل كلامه على ضمير معين، حتى فهم أنه يشير إلى شخص بعينه، وكذلك قوله في سورة نون: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} [القلم:10 - 12] إلى آخر الآيات، فتابع في ذكر الصفات حتى علم أنه يريد إنساناً بعينه هو الوليد بن المغيرة والد خالد بن الوليد رضي الله عنه.
قال الطبري: فالصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله عم بالقول كل همزة لمزة، كل من كان بالصفة التي وُصف هذا الموصوف بها، سبيله سبيله، كائناً من كان من الناس؛ لأن اختصاص السبب لا يستدعي خصوص الوعيد بهم، بل كل من اتصف بوصف القبيح فله ذنوب مثل ذنوبهم.
وقال بعض أهل العربية: هذا من نوع ما تذكر العرب اسم الشيء العام، وهي تقصد به الواحد، ويسمونه في أصول الفقه (تخصيص العام بقرينة العرف) يعني: هي عامة والمقصود بها شخص بعينه، كما يقال فيما لو كلم الأول الثاني فيقول له: لا أزورك أبداً، أي: أنا لن أزورك أبداً، فيرد عليه الثاني: كل من لم يزرني فلست بزائره، وهو يقصده هو بالذات، فظاهر اللفظ أنه يعني أناساً كثيرين، لكن يظهر من سياق الكلام أنه يقصد المتكلم نفسه، وقائل ذلك يقصد جواب صاحبه ويريده هو بهذه الصيغة العامة.
المهم: هناك خلاف في الآية، لكن لاشك -كما يرى الكثير من المفسرين- أن المقصود هنا العموم حتى وإن نزلت في سياق خاص؛ لأنه لا تعارض؛ والعبرة بعموم الألفاظ وليست بخصوص الأسباب.