سورة الزلزلة هي السورة التاسعة والتسعون، قال ابن كثير: مكية.
ورجح السيوطي أنها مدنية.
وآيها ثمان.
بسم الله الرحمن الرحيم {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة:1].
الزلزال: هو الحركة الشديدة بسرعة، ومما يدل على تركب معنى كلمة: (الزلزال) من الحركة الشديدة والسرعة، تكرار الحروف في كلمة: (الزلزال) وكذلك أيضاً (التضعيف) يدل على هذه الشدة.
يقول القاسمي رحمه الله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا}، أي: أصابها ذلك الزلزال الشديد، والاهتزاز الرهيب، فالإضافة للتفخيم أو الاختصاص.
أي: الزلزال المخصوص بها، وهي الرجة التي لا غاية وراءها.
والأقرب الأول، أي: أن هذه الإضافة للتفخيم، بدليل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج:1].
وقرئ بفتح الزاي: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زَلْزَالَهَا}، وقد قيل: هما مصدران، وقيل: المفتوح اسم، والمكسور مصدره وهو المشهور.
قوله تعالى: {وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا} [الزلزلة:2]، أي: قذفت ما في باطنها من كنوز ودفائن وأموات وغير ذلك؛ لشدة الزلزلة وتدفق ظهرها كقوله تعالى: {وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} [الانشقاق:3 - 4].
فالأثقال هنا في قوله: {وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا} بمعنى: موتاها وكنوزها، أو تكون بمعنى: التحدث بما عمل عليها الإنسان.
وأرجح هذه الأقوال -والله تعالى أعلم- هو أن هذه الأثقال هي الموتى، فتخرج الأرض موتاها، بدليل قوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً ?وَأَمْوَاتًا} [المرسلات:25 - 26].
وأيضاً: إخراج الكنوز إنما يكون قبل النفخة، فحينما يخرج الدجال يقول للأرض: أخرجي كنوزك؟ فتخرج الكنوز تتبعه، أما التحدث بالأعمال فهو منصوص عليه في نفس السورة فالأرجح أن أثقالها: موتاها، والله تعالى أعلم.
والأثقال: جمع ثَقَل -بفتحتين- وهو متاع المسافر وكل نفيس مصون، وإذا قلنا: ثِقَل؛ فيكون بمعنى: حمل البطن؛ لأنه يسمى ثِقَل، بدليل قوله تعالى: {فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا} [الأعراف:189].
قوله تعالى: {وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا} [الزلزلة:3]، فيه دليل على أن هناك أناس أحياء في ذلك الوقت يشهدون ذلك الزلزال، فيقول من يكون من الناس مشاهداً لهذا الزلزال المفاجئ المدهش، الذي لم يحدث مثله: ما لهذه الأرض رُجّت هذه الرجّة الهائلة وبَعثر ما فيها من الأثقال المدفونة؟! قوله: (وقال الإنسان) سواء كان مؤمناً أو كافراً، بدليل قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} [يس:51 - 52].
وقيل في قوله: {وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا}، أي: الإنسان الكافر، أما المؤمن فهو لا يُعذب؛ لأنه يؤمن أن هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون، فلم يكن أمراً جديداً عليه.
قوله: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة:4]، كلمة (يومئذٍ) بدل من (إذا) أي: في ذلك الوقت ((تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا)) أي: تخبر بما عمل على ظهرها.
قال القاسمي: أي: تبين الأرض بلسان حالها ما لأجله زلزالها وإخراج الأثقال منها، فتدل دلالة ظاهرة على ذلك.
وهذا أيضاً من التأويل الغريب! فما الذي يستبعد أن الأرض تنطق وتحدث بما عمل على ظهرها؟! وما الذي يمنع من ذلك؟! فيكون معنى: ((تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا)) أي: بما عمل على ظهرها، وهذا ليس ببعيد في قدرة الله تبارك وتعالى.
قوله: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} [الزلزلة:5]، الباء هنا سببية متعلقة، أي: أن الأرض تحدث بسبب إيحاء ربك لها، وأمره إياها بالتحديث.
قال القاسمي: الإيحاء استعارة أو مجاز مرسل ليس المقصود ظاهره.
وهذا أيضاً كلام غير مقبول، فالله سبحانه وتعالى يمكن أن يوحي للأرض كما أوحى إلى النحل: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل:68].
قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} [الزلزلة:6]، أي: ينصرفون من مراقدهم إلى مواطن حسابهم وجزائهم، متفرقين إلى سعداء وأشقياء، فقوله: ((يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا)) مثل قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} [الروم:43]، ومثل قوله: {يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} [الروم:14].
قوله: (لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ) أي: ليريهم الله جزاء أعمالهم.