قال تعالى: {وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} [البلد:3] هذا عطف على قوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد:1] يعني: أقسم بوالد وما ولد، قيل: يعني: آدم وذريته، وقيل: إبراهيم وولده، والصواب -كما قال ابن جرير -: أن المعني به كل والد وما ولد؛ لأن الصيغة صيغة عموم، قال ابن جرير: وغير جائز أن يخص ذلك إلا بحجة يجب التسليم لها من خبر أو عقل، يعني: من أراد أن يخصصه بآدم أو بإبراهيم أو غيرهما، فلابد أن يأتي بحجة نقلية أو عقلية، ولا سبيل إلى شيء من ذلك، قال ابن جرير: ولا خبر بخصوص ذلك، ولا برهان يجب التسليم له بخصوصه.
وقوله تعالى: (وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ) عبر بما مكان من للعاقل كما في قول الله تبارك وتعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء:3] والمقصود: من طاب، فإذا كان التركيب على الوصف تستعمل ما، ومثله قول الله تبارك وتعالى: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} [آل عمران:36] يعني: والله أعلم بأي مولود عظيم الشأن وضعته.
يقول القاسمي رحمه الله تعالى: فإدخال (ما) على (من) لإرادة الوصف، يفيد التعظيم في مقام المدح، وكأنه لا يحتمل كنهه لشدة إبهام ما؛ لأن الإبهام في (ما) أشد، فكأن هذا الشيء المعظم لا يشتبه وصفه؛ ولذا أفادت التعجيب وإن لم يكن استفهاماً كما في قوله تعالى: (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ) أي: أي مولود عظيم الشأن وضعته.
فقوله تعالى: (وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ) إن كان المقصود آدم أو إبراهيم فذكر (ما) ظاهر، فيكون المراد إبراهيم الوالد، وولده محمد صلى الله عليه وسلم، وهو عظيم عجيب، أو يكون المراد آدم وذريته فالتعجب من كثرتهم يعني: وما أدراك ما هذا الذي ولد له هذا الوالد وهو: آدم وكل ذريته؟! فالتعجيب هنا من خصائص آدم وذريته التي اختصوا بها على سائر المخلوقات كالنطق والعقل وحسن السيرة إلى آخر تلك الخصائص.