قال تبارك وتعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى:14].
قوله: ((قَدْ أَفْلَحَ)) أي: فاز وظفر من تطهر من دنس الشرك والمعاصي، وعمل بما أمره الله سبحانه وتعالى به.
((مَنْ تَزَكَّى)) أي: أعلى تزكية هي تزكية النفس بالتوحيد، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم تزكية النفس أن يعلم المرء أن الله معه حيث كان كما صح في الحديث.
قال بعض المفسرين قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} يعني: من آتى الزكاة.
وقوله تعالى: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى:15] يعني: أقام الصلاة، وقالوا: إنه مما عهد في كلام الله تبارك وتعالى الجمع بين الصلاة والزكاة في عدة آيات من القرآن الكريم، مثل قول الله تبارك وتعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} [التوبة:5]، والزكاة والصلاة مبدأ كل خير، وعنوان السعادة، لكن قيل: إن المعهود في التنزيل الكريم عند ارتباط الصلاة بالزكاة تقديم الصلاة على الزكاة، فهنا في قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى:14 - 15] يخالف المعهود في القرآن من ذكر الصلاة قبل الزكاة، فهذا مما يبعد هذا التفسير.
وأجيب بأنه لا ضير في مخالفة العادة مع أن العادة الجارية المعهودة في القرآن الكريم تقديم الصلاة إذا ذكرت بالاسم على الزكاة، كما في قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43]، وقوله: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} [التوبة:5]، وقوله: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ} [مريم:55]، أما إذا ذكرت بفعل مأخوذ منها فلا، كقوله تعالى: {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى} [القيامة:31]، فهنا أتت الصدقة أولاً، لكن صدق هنا الأقرب أنها من التصديق المقابل للتكذيب، بدليل قوله تعالى بعد ذلك: {وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [القيامة:32]، وهي في مقابل التكذيب.
والتفسير الأول أظهر؛ لأنه لا يتعارض مع هذا بل يشمله، فقوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى:14] يعني: فاز وظفر من تطهر من دنس الشرك والمعاصي وعمل بما أمره الله به، فقمة التزكية هي التوحيد؛ ولذلك من ليس في قلبه التصديق بلا إله إلا الله فإن قلبه نجس، والمراحيض والمجاري والخنازير أطهر منه، وقد قال الله تعالى عنهم: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة:28]، وليست نجاسة المشركين نجاسة حسية وإنما هي نجاسة معنوية، نجاسة في قلوبهم والعياذ بالله، فأولى الزكاة على الإطلاق هي تطهير القلب بلا إله إلا الله من دنس الشرك والمخالفات، فالتزكية هنا عامة بالتوحيد وبالطاعات واجتناب الشرك والمخالفات.
قوله تعالى: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} أي: تذكر جلال ربه وعظمته فخشع وأشفق وقام بما له وعليه.