قال الله تبارك وتعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة:253].
قوله تعالى: (تلك الرسل) تلك: مبتدأ، والرسل: صفة، والخبر: (فضلنا بعضهم على بعض) يعني: بتخصيصه بمنقبة ليست لغيره، ((مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ)) كموسى، ((وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ)) أي: محمداً صلى الله عليه وسلم (درجات) يعني: رفعه على غيره درجات، بعموم الدعوة والنبوة، وتفضيل أمته على سائر الأمم، والمعجزات المتكاثرة، والخصائص العديدة.
وهذا فيه إشارة إلى ما رواه البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحدٌ من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة).
وليست هذه الخمس فقط هي خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، بل هي كثيرة جداً، وقد خصها بعض الأئمة بعلم مستقل من علوم الدين يسمى: الخصائص النبوية، وأشهر ما ألف في ذلك وأقدمه: الشفاء بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم للقاضي عياض، والخصائص الكبرى للسيوطي، وظهر مؤخراً مختصر لأحد العلماء، وقد حقق أحاديثه بعمل جيد، فهذا علم مستقل من علوم الدين وهو معرفة خصائص النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد تكلمت هذه المصنفات على مئات الخصائص، وأيضاً الغماري له كتاب في خصائص النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: ((وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ)) أي: قويناه ((بِرُوحِ الْقُدُسِ)) يعني: الروح المقدسة وهو جبريل عليه السلام، كان يسير معه حيث سار.
((وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ)) يعني: لو شاء الله أن يهدي الناس جميعاً ((مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ)) من بعد الرسل من أممهم ((مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ))؛ لاختلافهم، وتضليل بعضهم بعضاً، ((وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا))؛ لأن الله سبحانه وتعالى شاء ذلك ((فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ)) أي: ثبت على إيمانه ((وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ)) دعوى المسيح ((وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا)) هذا تأكيد، ((وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ)) يعني: من توفيق من شاء، وخذلان من شاء.