{فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المطففين:34 - 36].
قال تبارك وتعالى: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ} [المطففين:34] أي: يوم القيامة.
هذا متعلق بما قبله من قوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ} [المطففين:29 - 34] أي يوم القيامة.
وقد قال تعالى عن الكفار: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا} [التوبة:82] أي: من يضحك الآن فسوف يبكي غداً بكاء طويلاً لا ينتهي، والمهم أن المؤمن هو الذي يضحك في النهاية وتكون له العاقبة.
يقول تعالى: ((فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ)) هذا تفريع على ما قبله، للدلالة على أنه جزاء سخريتهم, والجزاء من جنس العمل.
قوله: ((فاليوم)) هو يوم الدين والجزاء.
وضحكهم من الكفار ضحك المسرور بما نزل بعدوه من الهوان والصغار بعد العزة والكبرياء.
((عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ)) أي: ينظرون ما أوتوا من النعيم وما حل بالمجرمين من عذاب الجحيم وأيضاً: ينظرون أعظم نعيم على الإطلاق وهو رؤية الله تعالى في الآخرة، خاصة وأن الآية اشتملت المقابلة بين عاقبة المؤمنين وعاقبة الكافرين، فعاقبة الكافرين فيها عذاب البدن وعذاب الحجاب، فالنعيم يشمل الأمرين: رؤية الله سبحانه وتعالى، وينظرون ما أعد لهم من النعيم، وينظرون أيضاً ما حل بالمشركين من عذاب الجحيم.
يقول تعالى: ((هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)) أي: جوزوا ثواب ما كانوا يفعلون في الدنيا.
والاستفهام للتقرير، كأنه خطاب للمؤمنين؛ تعظيماً لهم وتكريماً، كأن الله سبحانه وتعالى يقول: وهل رأيتم كيف جازيت الكافرين بأعمالهم وكيف فعلت بهم؟! وثوبه وأثابه يعني: جازاه، وهو من ثاب بمعنى رجع، فالثواب ما يرجع على العبد في مقابلة عمله، ويستعمل في الخير.
ونظير هذه الآيات قول الله تبارك وتعالى: {قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ} [المؤمنون:108 - 111].
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من هؤلاء الأئمة الفائزين.