يقول الله تعالى: {ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [المطففين:17].
يقال لهم هذا زيادة في التنكيل والتوبيخ، فإن أشد شيء على الإنسان إذا أصابه مكروه أن يزجر عن شيء وهو يتألم له؛ لأن وسائل النجاة من مصابه كانت بين يديه فأهملها، وأسباب التخطي عنه كانت في متناوله فأغفلها.
يعني: لو أن إنساناً آتاه الله المال فأخذ يبدده في السفاهات والمعاصي والمخالفات، فمثل هذا ينطبق عليه قول الله تبارك وتعالى في سورة الإسراء: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء:29].
((ملوماً)) أي: أن الآخرين يلومونك: ألم تفعل كذا، وهكذا يكون ملوماً من الآخرين.
((محسوراً)) حسرة منازعة وتوبيخ لنفسه.
إن مما يعظم المصيبة على الإنسان أنه إذا وقع في المصيبة أن يتذكر وهو يتألم توبيخ الناس له: لو كنت فعلت كذا ما وقعت في كذا.
ومما يضاعف عذابه وألمه أن يتذكر وهو يتألم للمصائب بأن وسائل النجاة كانت بين يديه فأهملها، وأسباب التخطي عنه كانت في متناوله فأغفلها، فلذلك من أنواع العذاب المعنوي أيضاً على نفوس الكفار أن يبكتوا ويوبخوا ويعنفوا، بأن يقال لهم: ((هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ)) أي: ألم تكونوا تسخرون من المؤمنين في الدنيا؟ فـ ((هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ)).